ترشيحات "سيزار 2019": قضايا الراهن

ترشيحات "سيزار 2019": قضايا الراهن

15 فبراير 2019
جاك أوديار: وسترن بـ9 ترشيحات (فيسبوك)
+ الخط -
في 22 فبراير/ شباط 2019، تُعلن النتائج النهائية لجوائز "أكاديمية فنون السينما وتقنياتها"، المعروفة باسم "سيزار"، والممنوحة لأفضل الأفلام الفرنسية المعروضة عام 2018. الجائزة الأكثر تميّزًا في السينما الفرنسية تمنح، في نسختها الـ44 تلك، 22 تمثالاً، أبرزها في فئات أفضل فيلم وإخراج وسيناريو ومونتاج وتمثيل وموسيقى وتصوير وديكور، إلخ. هناك أيضًا جوائز للوثائقي والقصير، ولأفلام التحريك، ولأفضل فيلم أجنبي. أما الترشيحات، فأعلنت في 23 يناير/ كانون الثاني الفائت، واحتلّت فيها 7 أفلام أهم التوقّعات، وتواجدت في فئتي أفضل فيلم وأفضل إخراج. 

برز غنى السينما الفرنسية، في العام الفائت، في أفلام ذات مواضيع متنوعة وأساليب متجدّدة. ظهرت الكوميديا الفرنسية بأسلوب مختلف في "الحوض الكبير" لجيل لولوش و"طلقاء" لبيار سلفادوري، وعولجت مواضيع اجتماعية، كالعنف الزوجي وتبنّي الأطفال، بأسلوب متميّز، بعيدًا عن التقليدية، في فيلمي "إلى الآخر" لكزافييه لوغران و"طفل بالتبنّي" لجان هِيرّي. في "الإخوة سيسترز"، الناطق بالانكليزية والمنتمي إلى الـ"وسترن"، تابع جاك أوديار تميّزه الذي وضعه في مكانة خاصّة به في السينما الفرنسية (9 ترشيحات).

في المقابل، خلت الترشيحات من مفاجآت، لا سيما فيما يتعلّق بـ"الحوض الكبير"، المرشّح لـ10 جوائز، بينها الأهم، أي أفضل فيلم وإخراج وسيناريو؛ و"إلى الآخر". استُقبل الفيلمان بحماسة شديدة من النقّاد والجمهور، وهذا نادر. عند عرضه خريف العام الماضي، اعتُبر "الحوض الكبير" (للتعبير الفرنسي معانٍ عديدة، منها الدخول في معمعة قضية ما، أو خوض تجربة صعبة)، "حَدَث" السينما الفرنسية بلا منازع، وشكّل نجاحه ظاهرة بفضل الإقبال منقطع النظير وغير المتوقّع عليه من الجمهور الفرنسي، فنال المركز الثالث في لائحة الأفلام الفرنسية الأكثر جماهيرية، مُقتربًا بهذا من أفلام الكوميدي داني بون و"لي توش 3"، وهي أفلام مضحكة يُتوقّع نجاحها قبل ظهورها.


"الحوض الكبير" عن الصداقة والتحدّي ومحاربة الإحباط، عبر تجربة 7 رجال مُصابين بالانكسار والاكتئاب بسبب بطالة مفاجئة، أو حياة عائلية مفكّكة، أو إفلاس مباغت. يجتمعون في فريق للرقص المائي، وهو رقص تعبيري مخصّص عادة للنساء. ذات يوم، يقرّرون المشاركة في مسابقة دولية، بمساعدة مدرّبتين اثنتين. تحدٍّ أعطى لحياتهم الخاوية معنى، لخّصه لولوش بـ"ماذا ستفعل بحياتك إذا صوّبت أهدافك كلّها على اللون الأحمر، فيربح الأسود؟". يحيل الفيلم إلى حالة المجتمع اليوم، ومعاناة الفرنسيين بطالة ووضعًا معيشيًا يائسًا يعيشه كثيرون. مع هذا، يحمل لهم أملاً، وهذا ما أحبّه الفرنسيون، واعتبروه نسمة منعشة في زمن صعب. كما أنه اعتمد على ممثلين كانوا سببًا أساسيًا لنجاحه، وظهروا فيه كما لم يظهروا أبدًا، لا سيما جان هوغ أنغلاد وغيّوم كاني وفيليب كاترين.

إلى ذلك، ورغم استناده إلى قصّة اجتماعية تتناول العنف العائلي، فإنّ سرّ نجاح "إلى الآخر" للوغران كامنٌ في عدم تركيزه على هذا، بل على الشخصيات وسلوكها الظاهر، ثم المفاجئ تمامًا، ما منح الفيلم بُعدًا إضافيًا وعمقًا تجاوز بكثير ظاهرة العنف. فيلم رائع، عن العلاقة الزوجية والروابط بين الآباء والأبناء بكل ما تحمله من تعقيدات وتناقضات بين حب وكراهية، وحنان وعنف، وشدّ وجذب. كما أن أحد أسباب نجاحه متمثّلٌ في أداء ممثليه، خصوصًا دوني مِنوشي، الذي أدّى دور الزوج بشكل باهر، وهو أحد المرشّحين في فئة أفضل ممثل، إلى جانب ليا دروكر، المرشّحة في فئة أفضل ممثلة.

في اللائحة نفسها، يبرز الفيلم البوليسي الهزلي "طلقاء" لبيار سلفادوري (9 ترشيحات)، الذي استقبله النقّاد بحفاوة كبيرة تجاوزت حماسة الجمهور الفرنسي لأسلوبه المبتَكَر في الطرافة، والمعتمد على مواقف ساخرة ولامعقولة أحيانًا، مع مسحة خيالية وفانتازيا هزلية، من خلال سعي شرطية (آديل هاينل، المرشّحة في فئة أفضل ممثلة) إلى تطبيق العدالة على مسجونٍ ظُلمًا بسبب فساد زوجها الشرطي. أسلوب الفيلم، غير المطروق في الكوميديا البوليسية الفرنسية، أضاف سحرًا ومتعة.

أما "طفل للتبنّي" لهِيرّي (7 ترشيجات)، فيتناول نظام التبنّي في فرنسا، وتدخّل الهيئات الاجتماعية في اعتماد العائلة المناسبة لأطفال يتخلّى آباؤهم عنهم. فبرسمه معاناة الآباء المنتظِرين، يُعاين الفيلم التعقيدات الادارية لتبنّي الأطفال في فرنسا؛ لكنه لا يقتصر على ذلك، إذْ يعاين حياة أشخاص مهتمّين بأطفال متروكين، على مستوى المتخلّين عنهم ومُستْقبِلينهم، مرورًا بالوسطاء (الإدارة). في فئتي أفضل فيلم وإخراج، هناك "الألم" لإيمانويل فينكيال، العائد إلى فرنسا الحرب العالمية الثانية، و"غِيْ" لألكس لوتز، الذي يتابع مسار مغنّي منوّعات فرنسي، في ستينيات القرن الـ20.

في فئة أفضل فيلم أجنبي، هناك "عائلة السرقة" للياباني هيروكازو كوري ـ إيدا، الذي استقبل استقبالاً حافلاً في فرنسا، والفائز بالسعفة الذهبية في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي، و"كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي، الذي أحبّه الجمهور الفرنسي أكثر من النقّاد (نال علامة 3 من النقاد، و4،5/ 5 من الجمهور، بحسب الموقع الإلكتروني الفرنسي "آلو سيني")، والفائز بجائزة لجنة التحكيم في الدورة نفسها للمهرجان نفسه؛ بالإضافة إلى "حرب باردة" للبولوني بافل بافليكوفسكي (أفضل إخراج في "كانّ" 2018)، و"فتاة" للبلجيكي لوكا دونت و"حنا" للإيطالي أندريا بالاورو.

من الأفلام الوثائقية المُرشّحة أيضًا، هناك "أميركا" لكلاوس دربكسل، وهو فيلم مدهش، يتابع مسار تحقيق في ولاية أريزونا، أثناء التحضير للانتخابات الأميركية، و"في كل لحظة" لنيكولا فيليبير عن "بطولة" الممرضات والممرضين وإنسانيتهم. لكن الملاحظ أن "مكتوب حبي" لعبد اللطيف كشيش حصل على ترشيحٍ واحد في فئة أفضل أمل نسائي، نالته الممثلة أوفيلي بو. كما غاب عن الترشيحات "روما" للمكسيكي ألفونسو كوارون، الفائز بجوائز كثيرة، والمرشّح لـ10 جوائز "أوسكار". أما غيابه عن ترشحيات "سيزار" فعائد إلى الاكتفاء بعرضه على منصّة "نتفليكس"، وحرمان دور العرض الفرنسية منه.

أما الفيلم الأكثر مُشاهدة في فرنسا عام 2018 (بيعت 5،6 ملايين بطاقة دخول لمشاهدته)، فلعلّه ينال جائزة الجمهور المستحدثة في "سيزار 2018". إنه الجزء الـ3 من "لي توش" لأوليفييه بارو، ضمن سلسلة سينمائية، أبطالها عائلة لي توش، وهو كوميديا مدهشة بفجاجتها.
يُذكر أن "أكاديمية فنون السينما وتقنياتها" استحدثت هذا العام جائزة "سيزار الطلاب"، التي يمنحها 2000 طالب ثانوي لأحد الأفلام الـ7 المرشَّحة في فئة أفضل فيلم؛ وأنها ستمنح "سيزار شرفي" للممثل الأميركي روبيرت ريدفورد، مُسمِّيةً الممثلة البريطانية ("الأكثر فرنسية"، كما تُعرف في فرنسا) كريستين سكوت توماس رئيسة هذه الدورة، التي يقدّمها الممثل الفرنسي الهزلي جاد مراد، والمهداة إلى الراحل شارل أزنافور.

دلالات

المساهمون