عن فيلمٍ يجهل موضوعه

عن فيلمٍ يجهل موضوعه

13 فبراير 2019
نادين لبكي في "كانّ" 2018: اغتراب عن الواقع (فيسبوك)
+ الخط -
إشعال اللبناني جورج زريق النار في جسده، المؤدّي به إلى الموت (8 فبراير/ شباط 2019)، دافع للبعض إلى استعادة "كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي، قبل أيام قليلة من إعلان النتائج النهائية لجوائز "أوسكار" الأميركية (24 فبراير/ شباط 2019). الرجل الأربعيني، المُطالِب بحقّ طبيعي له (إفادة مدرسية تسمح له بنقل ابنته إلى مدرسة أخرى، لعجزه عن تسديد أقساط مدرستها الرافضة منحه الإفادة قبل دفع المتأخّر، وهو شبه عاطل عن العمل)، منتمٍ إلى شريحة واسعة من اللبنانيين تعيش ظروفًا اقتصادية صعبة للغاية، إنْ لم تكن مُقيمة تحت خط الفقر، تمامًا كالشخصيات الرئيسية في "كفرناحوم"، المرشَّح لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. 

الحادثة الأليمة تحريضٌ لهؤلاء البعض على نشر تعليقات، منها ما يميل إلى حساسية نقدية واضحة، تربط بين واقعٍ خطر واستعلاء سينمائيّ على الواقع نفسه، علمًا أن صانعة العمل تبدو ـ في الروائي الطويل الثالث لها ـ غير مُدركة حقائق العيش في "بيوت التنك" وأزقّة الفقر، الحاضرة في فيلمها هذا. تعليقات تُفنِّد الكمّ الهائل من "الأخطاء" الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، إذْ يرى كاتبوها أن نادين لبكي غير عارفة، أو غير راغبة في معرفة الأسباب الحقيقية التي تصنع حالة تبدو كأنها عصيّة على الإصلاح، لتغاضي المسؤولين عن أهمية الإصلاح الجذري. بالإضافة إلى "الأخطاء"، تحمل التعليقات ما يُشبه الإدانة الأخلاقية لـ"كفرناحوم"، لابتعاده عن واقعٍ يدّعي أنه يتناوله، وعن أناس يدّعي أنه لهم وعنهم.



خطورة "كفرناحوم" ("العربي الجديد"، 25 و28 يناير/ كانون الثاني 2019) كامنةٌ في تغاضيه عن حقائق ووقائع متعلّقة بالأسباب الفعلية للفقر، وفي تحميله الفقراء مسؤولية الخراب الذي يعيشون فيه، وفي "تبرئة" نظام لبناني متكامل بين الأمن والسياسة والاقتصاد والإعلام، مُصوّرة رجال الأمن والقضاء بإيجابية متناقضة كلّيًا مع ما يجري في البلد. خطورته أنه مخالفٌ لما تشهده أروقة النظام المتحكّم بالبلد وناسه، فإذا به (كفرناحوم) يقول إنّ قضاءً إنسانيًا حاضرٌ في البلد، وإنّه يمتلك حساسية إنسانية وأخلاقية تجعله يُرتِّب أحوال فقير أو غير حامل للأوراق الثبوتية بسرعة لا مثيل لها. بينما الحادثة الأليمة تقول نقيض هذا، لشدّة انغماسها في الواقع اللبناني البائس والمنهار والمفكّك.

الربط بين "كفرناحوم" ومسائل عديدة يعيشها البلد وناسه، في ظلّ انهيارات شتّى وخطرة، لن يكون منافيًا للمنطق، لشدّة الابتعاد الكبير للفيلم عن المنطق السينمائيّ، دراميًا وجماليًا ومصداقية، في التعامل مع وقائع وحقائق يقول إنه منطلقٌ منها ومتناول إياها.

دلالات

المساهمون