يم مشهدي: آخر العابرين للدراما المُشتركة

يم مشهدي: آخر العابرين للدراما المُشتركة

13 فبراير 2019
اعتاد الجمهور على عبارات مشهدي بصوت سلافة معمار (فيسبوك)
+ الخط -
حين تقدم الدراما كاتباً جديداً، تمنحه الفرصة للظهور تدريجياً. وبعد مجموعة من المحاولات بين لوحات وحلقات متعددة، يقتحم الكاتب المضمار ليقدّم نصه الأول بعد كسبه ثقة المنتج والمخرج. إلا أن الرحلة لدى الكاتبة السورية يم مشهدي كانت مختلفة، فمنذ البداية حازت فرصة تقديم نص خارج سرب الأعمال السورية، وكان "وشاء الهوى"، مع مجموعة من نجوم الدراما السورية، في قصة انطلقت من رحم المدينة الجامعية في دمشق لترصد حياة طلاب قادمين إلى العاصمة من عدة مدن سورية، وكيف تتحول مصائرهم متقاطعة مع علاقات الحب ورغبات الوصول إلى المال والشهرة. 
شارة المسلسل حفظها السوريون عن ظهر قلب، في حالة تمازج بين عفوية الشخصيات وجرأة الطرح، ليحفر المسلسل عميقاً في قلوب المشاهدين، كعمل مغرق في الرومانسية العذبة، هارب من جحيم عذابات المجتمع، من دون أن يبتعد في الآن ذاته عن الواقعية. وهو الشرط الذي تحققه غالبية أعمال يم مشهدي، بعدما قدمت ثاني مسلسلاتها: "يوم ممطر آخر"، وكان التعاون الأول لها مع المخرجة رشا شربتجي.
قوة الأسماء التي تصدرت واجهة العمل حينها، دفعت بتلفزيون دبي إلى عرضه قبل الموسم الرمضاني. ومن خلاله، دخلت مشهدي، للمرة الأولى، إلى عمق العائلة السورية وتبحرت في تفاصيل العلاقات بين الإخوة، بين الأب والأم وبين الحب المشرع والحب المنبوذ من المجتمع، فجسدت في نصها شخصيات متطرفة من الخنوع إلى السادية، من دون إيذاء لمشاعر المشاهد، أو تعنيفه بكم الاستفزاز الذي يمكن أن تحمله الحكاية.

خشبة الحياة
ليأتي ثالث الأعمال ويرسم النقلة الكبرى للكاتبة. بذكاء لمّاح، قدمت مشهدي المجتمع كتخت شرقي تتآلف فيه النغمات الموسيقية الصادرة عن الآلات لتحقق "هارمونيكا" العرض. وعلى خشبة الحياة، تلاقى نخبة من النجوم ليرووا تفاصيل مجتمع على شفا الوقوع في حرب طويلة الأمد. وكأن مشهدي تنبأت بحالة الانفجار فرسمت شخصياتها في مستوى القلق الأعلى عبر الانتقال بحدة من السكون إلى الانفجار مع عشرات، بل مئات الحوارات التي ما زالت على لسان عشاق هذا المسلسل، بعد إثبات صريح وواضح أنّ مشهدي هي أكثر الكتاب السوريين قدرة على نقل أحاديث الشارع إلى الدراما وعبر مستويات اجتماعية مختلفة، وإن نالت قدراً من النقد كون غالبية شخصيات أعمالها تقع في "التنظير" أحياناً.
"كزبة وحقيقة"، هي سمة أعمال مشهدي التي بلغت ذروتها في "قلم حمرة". وهنا، انتصر قلم الكاتبة النسائي للمرأة السورية كأول مسلسل يروي حالة المعتقلة لدى النظام السوري. تمردت مشهدي ورفعت السقف عالياً؛ فتحدثت عن الإلحاد والمثلية والتطرف والإرهاب، وعن عدد شائك من الموضوعات التي طفت على السطح خلال الثورة السورية. لم تخشَ مشهدي من بناء شخصية كردية، أو رصد طبيعة العلاقة الزوجية في أدق التفاصيل، فحين كانت المواقع الفنية تنتقد مشهدي لتطرقها إلى موضوع الدورة الشهرية لدى المرأة، كان الجمهور يبحث عن حلقات المسلسل عبر الإنترنت بعد عرض جائر للعمل على قناة عراقية محلية.


غياب طويل
خمس سنوات مرت على "قلم حمرة" ومشهدي غائبة. لا نص كتبته يخرج للشاشة والجمهور يترقب، لتحل الصدمة قبل أيام بعد لحاق مشهدي بكتّاب الدراما المشتركة، أو "اللبنانية" في الواقع. وليس هذا فحسب، بل مع إجبارها على حذف الخط السوري من العمل، بحجة تطرقه إلى وضع السوريين في لبنان بشكل عنصري.
تسريبات من قلب شركة "إيغل فيلمز"، بيّنت أن الكاتبة تعرضت إلى ضغوط قاسية بين تعديل النص من قبلها أو منحه لكاتب ثانٍ من أجل تعديله، وذلك عبر تداول أن المسلسل من تأليف ورشة من الكتاب، فما كان من مشهدي إلا أن وافقت لتحافظ على منتجها الإبداعي من دون أن تعبث به يد كاتب ثان، خاصة بعد تجربة مسلسل "طريق" للمخرجة رشا شربتجي، حين سلّم النص لكاتبتين لم تلتقيا طيلة فترة الكتابة.
النقد الأكبر الذي حملته وسائل التواصل الاجتماعي صبّ على شربتجي بالدرجة الأولى كونها قدمت مع يم مشهدي ثنائية "يوم ممطر آخر" و"تخت شرقي"، فجاء العتب على الأسلوب التجاري الواضح في أعمال رشا والذي سيؤثر بالطبع على مسلسل مشهدي، خصوصاً أن العمل خرج عن نطاقه السوري بالكامل؛ فحذفت شخصية الجد عبد الهادي الصبّاغ وعلاقته بحفيدته، حيث كان من المقرر أن ترصد جزءاً من وضع السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية.
"كيف سنتقبل أن نسمع عبارات يم بصوت ماغي بوغصن؟!". سؤال طرحه عدد من رواد مواقع التواصل، بعدما حفرت عبارات يم مشهدي بصوت سلافة معمار في مسلسل "قلم حمرة" الكثير، وصارت أشبه بالأقوال المأثورة والحكم على ألسنة الكثيرين. وهل يمكن مقارنة إمكانية ماغي المحدودة بنصوص يم مشهدي اللاذعة؟ وهل تقابل ماغي فضل الدراما السورية عليها في منحها فرصة التمثيل قبل سنوات بإيذائها نص مشهدي؟ هنا، لا أحكام مسبقة على نص لم يعرض بعد، بل حالة أسف على واقع وصلت إليه الدراما السورية. واقعٌ وعرٌ استنزف الممثلين ثم المخرجين، وهو اليوم يستنزف كتاب الدراما السورية، خصوصاً أولئك الذين يستمدّون خيالاتهم من تفاصيل الواقع المغرقة بالصميم.

المساهمون