فلسطيني يصمم قرى عتيقة من عيدان خشبية

يصمم أبو عيطة من مدينة غزة في القطاع المحاصر، قريته الخاصة، محاكياً من خلالها بساطة الحياة القديمة غير المعقدة، وما تضمه من بيئة اجتماعية خصبة، تغمرها علاقات الصداقة والقرابة، بعيداً عن زحمة المدينة، وضجة الحداثة والعولمة.

يعكس الفلسطيني دفء العلاقات بين أفراد القرية، من خلال بناء قريته مستخدماً الأخشاب، التي تعكس مدى الترابط وقرب العلاقة، نظراً للعلاقة الوثيقة بين الإنسان والأخشاب، التي بدأت منذ بدء الخلق، ويروي من خلالها حكايات أفراد عاشوا من خيرات قريتهم الوافرة.

تجسدت ملامح الحياة القديمة، ومحتوياها التقليدية، التي كان يعتمد عليها الإنسان في حياته البسيطة، في زوايا المدينة الخشبية يدوية الصنع، وقد امتزجت بالمشاهد الجمالية التي تعكس رونق وعبقها المدن العتيقة.

يقول أكرم أبو عيطة 28 عاماً، وهو أب لطفلتين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأعمال الفنية المصنوعة من الأخشاب تبعث في النفس الراحة والطمأنينة، على اعتبار أنّ الأخشاب مادة طبيعية تدخل في كل المتعلقات بحياة الإنسان، وتعطي رونقاً جمالياً لافتاً، إضافة إلى أنها تساعد على تفريغ الشحنات السلبية، وخلق الراحة النفسية".

(عبد الحكيم أبو رياش)

بدأت الفكرة تراود أبو عيطة من اللحظة الأولى التي أمسك فيها عيدان الشواء، وعيدان الفحص الخاصة بالأطباء، وبدأ بتجميع بعضها إلى جانب بعض، حيث صمم مجسماً خشبياً، يوحي بالبناء القديم، ما حفزه على مواصلة الفكرة، وبناء قرية كاملة من الأخشاب والعيدان، وساعده تخصصه في هندسة الكهرباء، على إضافة رونق خاص على أعماله.

لم يغب عن مخيلة الفنان الفلسطيني مشهد المدن القديمة ومحتوياتها، ما دفعه إلى تجسيدها على أرض الواقع عبر العيدان والأخشاب، اعتقاداً منه أن تجسيدها يبقيها حية في الأذهان، إلى جانب منظرها الجمالي الأخاذ، ويقول: "كلما رجع الشخص بذاكرته إلى المدن والقرى والبلاد المحتلة، وما تحتويه من أراضٍ زراعية ومنشآت، امتزج شعوره بالحنين والفرح".

تحتوي القرية المصنوعة على أشكال متنوعة لحياة الأشخاص، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، إذ تضم بيوتاً متواضعة صغيرة لأشخاص فقراء، وتجاورها بيوت فاخرة وراقية يسكنها الأعيان، كذلك تضم زواياها السفن والمراكب الخشبية الشراعية، وطاحونة الهواء، وغيرها من أدوات الاستخدام اليومي.

(عبد الحكيم أبو رياش)

يستخدم أبو عيطة في عمله الفني معدات بسيطة، كالأعواد الطبية، أعواد الشواء، المقص، ويجري تجميعها عبر مادة السليكون اللاصقة، ولا يتقيد بأوقات محددة في العمل، إذ يبدأ بتطبيق أي فكرة تراوده على الفور، ويزينها ببعض الألوان البسيطة، لإضفاء بعض اللمسات الفنية النهائية.

يتطلع عبر أعماله الفنية إلى تجسيد مبدأ صناعة شيء من لا شيء وترجمته، معللاً ذلك بالقول: "الفن الحقيقي هو استغلال أبسط الموارد لصناعة منتجات ذات معنى، والتطوير منها خطوة بعد الأخرى".

يفكر أبو عيطة في صناعة مدينة كبيرة ومضيئة، تحاكي المدن الفلسطينية العتيقة، مع إضافة بعض المعالم الخاصة بكل بلدة وقرية فلسطينية، ويرى في الفكرة أهمية لإبقاء تلك المعالم حاضرة في قلوب الفلسطينيين وعقولهم.

(عبد الحكيم أبو رياش)


(عبد الحكيم أبو رياش)