"سمكة حرّة" و"سأكون بين اللوز"... فيلمان عن الفكرة نفسها

"سمكة حرّة" و"سأكون بين اللوز"... فيلمان عن الفكرة نفسها

09 نوفمبر 2019
يشارك جلال الطويل في بطولة "سأكون بين اللوز" (فيسبوك)
+ الخط -

نتناول هنا فيلمين سينمائيين، يحكيان عن نفس الفكرة، وكأنّ ثمة تخاطرًا في الأفكار بين المُخرجَين.

"سأكون بين اللوز"
عن فيلم يحمل اسم سيرة الشاعر الفلسطيني حسين البرغوثي "سأكون بين اللوز"، اختارت المخرجة الفرنسية، ماري دي فلوك، البحث في سينما الصورة مجدداً، وذلك عبر انتقالٍ سلسٍ في حكاية عائلة سورية عاشت لحظات الثورة، وانتقلت إلى مرحلة الحرب، ومن ثم اللجوء كخلاصٍ مرحلّي. وهنا ظهر السؤال الأكثر إلحاحاً في "الوجود"، عن كيفية التأقلم مع العالم الجديد المحيط بالعائلة في دولة أوروبية، بعيداً عن نيران الحرب وأصوات المدافع.

"سأكون بين اللوز، قرب الجدار الحجري، أرتدي ثوبك الأزرق"، هذه الرسالة التي تتحول بلحظةٍ مشرفةٍ على الخراب إلى رمز من أجل إشعال الحب من جديد، وعودة الأسرة إلى الالتئام. قبل أن تخسر كل شيء: الوطن الذي بات بعيداً وغريباً، والأسرة الآيلة للتفّتت، وضياع حق اللجوء في عالم، كل ما فيه يتحوّل إلى عزلة. وبهذه الشاعرية، يقدّم كل من جلال الطويل وماسة زهرة، أداءً متقناً لنموذج العائلة اللاجئة، والتحديات الماثلة في طريقها. إذْ يبدأ الفيلم بعيد ميلاد طفلتهما "نور"، على أنغام أغنية "يا محلى الفسحة". هذه الموسيقى المشغولة بالحنين، مع مشهد مدروس جداً من حيث الحركة الصمت والنظرات، وخصوصاً حين تطلب "نور" من أمِّها أن تغني، فتحدث حساسية ما، تشير إلى شرخ في العائلة، ليتوقف العزف، ويتكهرب الجو.

ما بين حق اللجوء، وفكرة الطلاق، وما يدور حولها من صراع، قُدِّمَت برؤية إخراجية متقنة، تحاول المرأة أن تحسمه لصالح العائلة بكل ما أوتيت من قوة ورومانسية وإصرار. ومن هنا ينطلق الصراع من إطاره الضيق إلى الأكثر اتساعاً عن طريق تفاصيل كثيرة يأخذنا إليها هذا الفيلم. صراع داخلي تعيشه المرأة، هل تخسر عائلتها؟ أم هل تخسر حق الإقامة؟ وقد اقترحت المخرجة نهاية مفتوحة، رغم أن كل المؤشرات توحي إلى أن العائلة وطن، وعلى الجميع التمسك بها. الفيلم البلجيكي الفرنسي يمتد لثلاثة وعشرين دقيقة، وصور لمدة 11 يوما، في حين اختارت المخرجة، أن تعمل ثلاثة شهور مجاناً في معمل السمك، لتعيش الحالة وتتعرف على التفاصيل: السمك والرائحة والتعليب والشحن ومعاناة الناس. وقد انعكس هذا على تفاصيل كثيرة مهمة في العمل والسيناريو معاً. ونال الفيلم مؤخراً الجائزة الكبرى في مهرجان سينما البحر المتوسط، والجائزة الكبرى بمهرجان كوريا الجنوبية. 
"سمكة حرّة"
تتقدم "تيما" بصينية تحمل سمكة حرّة داخلها إلى مأدبة الغداء، لنتفاجأ بأن زوجها رحل وباتت أرملة تعيش هي وابنتها في كنف عائلتها. القصة البسيطة تستثمر في مقدرات الممثلة السورية، جفرا يونس، المحكومة بسلطة الأب ونظرة المجتمع بعدما غدت أرملة. وكمحيط السمك تشعر "تيما"، بأنَّ الحيتان تستعد للانقضاض عليها. "من سيكون الزوج" هو السؤال الذي يخرج من طيّات الفيلم بأجواء باردة، نقلها المخرج السوري مجد الزغير، والتي استطاع من خلالها قراءة جغرافية قرية في الريف السوري بشكل جديد، دون تحديد لمناطقية القرية أو لونها الديني. ليشكّل العرف الاجتماعي المحرّك الأساسي في خلق الصراع. طالما الأرملة ما تزال تخضع لقوانين لا تنصفها، ولا تضمن لها الحق في حياة كريمة مستقلة.
صراع "تيما" يزداد مع تعنت الأب وقرارها الحاسم في الخروج عن الهيمنة العائلية والهروب من المنزل برفقة ابنتها الصغيرة. مستقبل مجهول يحيط بها حالها حال السمك، فرغم الفراغ الذي ينتظرها في الخروج من سلطة العائلة، إلا أنها تبحث في قرارة نفسها عن الاستقلالية. على مدى 14 دقيقة تنقلنا الكاميرا في أجواء هادئة كجمر مشتعل، تحت رماد نفض العادات والخروج عن المجتمع الأصلي، فتتقاطع المعاناة مع اللاجئين في فيلم "سأكون مع اللوز"، حول إيجاد أرضية لحياة جديدة، سواءّ داخل حدود الوطن أو خارجه. شارك فيلم "سمكة حرّة" في أيام قرطاج السينمائية مؤخراً وشهد حضوره الجماهيري حوالي 1800 شخص مع آراء إيجابية حول آلية التنفيذ وشكل القراءة.

المساهمون