قبة نسل "الصديق" بمصر.. نفحة روحانية قرب "البقيع الثاني"

قبة نسل "الصديق" في مصر.. نفحة روحانية قرب "البقيع الثاني"

22 نوفمبر 2019
+ الخط -
تظهر للعيان قبة شهيرة نُسبت لنسل أبي بكر الصديق، صاحب النبي محمد (ص)، على أطراف قرية وسط مصر، تعرف تاريخيًا باحتضانها قبور صحابة وتابعين قبل 1400 عام، حينما قدموا إلى البلاد، حتى أطلق عليها اسم "البقيع الثاني".

وتبرز في المكان لافتة تشير إلى أنّه ضمن منطقة آثار البهنسا بمحافظة المنيا (وسط)، والتي تحوي قبة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وشيدت في العصر العثماني (1517-1867م).

واستقر تاريخيًا في البهنسا جماعة من نسل أبي بكر الصديق، وولديه محمد وعبد الرحمن، وبالدخول للمقام، نجد قبرين يلتفان بثوب أخضر، وهو شاهد تاريخي على المكان، ولا تظهر الكلمات المدونة عليه نظرًا لقدم عمره، تزينه من الخارج أشجار الصفصاف، التي تغطي القباب وتلقي بظلالها على زوار الأضرحة المجاورة.


وتروي سير تاريخية عن نجل الصديق، أنه دفن بمقبرة البهنسا بصعيد مصر، وهناك ضريح ينسب له، وضريح آخر ينسب لولده محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وتشير أيضًا إلى أنّ محمد بن أبي بكر الصديق، تولى ولاية مصر في زمن الإمام علي بن أبي طالب، وقتل بالقرب من القاهرة.

ولا توجد تفاصيل تاريخية موثقة عن حياة نسل صاحب رسول الله في مصر، غير أن من المعروف تاريخيًا أن قرية البهنسا صغيرة المساحة، والتي تقع بمحافظة المنيا (جنوب القاهرة)، شهدت ملحمة الجيش الإسلامي ضد جيش الرومان، وتقول تقارير محلية، إن تلك المنطقة المحفوفة بآثار عظماء بالدين الإسلامي، تشهد زيارات داخلية وخارجية من دول شرق آسيا من ماليزيا وإندونيسيا.

وتحتضن القرية قبور 5 آلاف من الصحابة والتابعين، بينهم 70 صحابيًا ممن شاركوا في غزوة بدر، وجاؤوا إلى مصر خلال الفتح الإسلامي، وفق مصادر تاريخية، وتحظى البهنسا بمكانة مميزة في قلوب المصريين بمختلف أطيافهم، إذ تقف شاهدة على عصور مختلفة، وحاملة بين طرقاتها بصمات الحضارات الفرعونية واليونانية والقبطية والإسلامية.


ويحرص خدم المقامات عادة على تعطير الأشجار بالمسك والعنبر، ليفوح منها عطر يليق بمكانة رفات الصحابة والأولياء والصالحين، خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع، ويتوافد إلى القرية عشرات العائلات ورحلات المدارس، لزيارتها وحضور حلقات الذكر والاستماع للتواشيح الدينية وتوزيع النذور.

ويحظى مقام نسل أبي بكر الصديق بإقبال كبير من زوار الأضرحة، حيث سكن البهنسا جماعة من نسل محمد بن أبي بكر الصديق ونسل شقيقه عبد الرحمن، وشاركوا في فتح البهنسا، ومنهم من استُشهد خلال الفتح ودفن في تلك المقبرة، ومنهم من سكنها واستقر بها ومات ودُفن فيها.

وكانت البهنسا أيضًا إحدى القرى الفرعونية الهامة، حيث كانت تقع على رأس الطريق الرابط بين وادي النيل والواحات من جهة درب البهنساوي، وكان اسمها "برمجد" وتعني باللغة الفرعونية "الهيروغليفية" مكان الالتقاء بين الخير والشر، كما ضمت أيضًا عددًا من المقابر ذات الطابع الفرعوني، ترجع لعصر الأسرة 26 وتضم توابيت وقبابًا حجرية.

وتعتبر شجـرة مـريم (عليها السلام) من المعالم التاريخية الموجودة في البهنسا، وسميت كذلك لأنه يقال إنّ تلك الشجرة انحنت للسيدة مريم عندما جلست تحتها ومعها عيسى عليه السلام، عندما كانا في رحلة إلى صعيد مصر، ويعد مزار شجرة مريم من أشهر المزارات التي يقصدها الأقباط (يقدر عددهم بنحو 15 مليونًا من أصل 100 مليون)، وهي عبارة عن شجرة عمرها آلاف السنين تقع بجوار بئر مردوم، الذي شربت منه السيدة مريم وطفلها عيسى.

كما سكن البهنسا أيضًا اليونانيون والرومان، حيث كانت أهم منطقة بعد الإسكندرية (شمال) وأصبحت حصنًا كبيرًا للرومان بقيادة بطليموس، وبنوا فيها مسرحًا رومانيا كان أكبر مسرح في مصر وشمال أفريقيا، ويتسع لأكثر من 8 آلاف مشاهد، لكنه اندثر ولم يتبق منه إلا أعمدة قليلة.

ويشاع أن القرية المصرية العتيقة سميت قديمًا "بهاء النساء"، نسبةً إلى فتاة كانت تسمى بهذا الاسم ووقع في غرامها بطليموس في القرن الثاني الميلادي، فأطلق اسمها على القرية، ومع الوقت حرّفه الأهالي واختصروه بـ "البهنسا".

(الأناضول)

المساهمون