الدراما التاريخية والإنتاج السعودي: عندما تفسد السياسة المشهد

الدراما التاريخية والإنتاج السعودي: عندما تفسد السياسة المشهد

20 نوفمبر 2019
خالد النبوي في مشهد من المسلسل (فيسبوك)
+ الخط -
قبل خمس سنوات، أطلقت شبكة MBC في مهرجان ضخم أقيم في القاهرة، مسلسل "سرايا عابدين"، كتابة الكويتية هبة مشاري حمادة، وإخراج المصري عمرو عرفة. ولعب دور البطولة، السوريان قصي خولي وسوسن أرشيد، والمصريات يسرا، ونيللي كريم، وغادة عادل، وريم مصطفى، واللبنانية كارمن لبس.
اعتُبر المسلسل وقتها، أضخم دراما تاريخية عربية بكلفة إجمالية بلغت 20 مليون دولار أميركي، وبمشاركة أكثر من 250 فناناً عربيًا. يومها كان يحضر في بال المحطة السعودية أنها تعمل على منافسة الإنتاج الدرامي التركي، الذي كان في ذروة نجاحه، كما هي الحال اليوم. ورغم محاولات الشبكة الحدّ من التأثير التركي، تحديداً مع احتدام الأزمة السياسية مع أنقرة، اختارت MBC وقف عرض الأعمال التركية. لكن سرعان ما تبيّن أن النصر كان حليف تركيا، التي أعادت مختلف أعمالها إلى الشبكة السعودية، بعد أقل من عامَين من قرار المقاطعة.
عادت إذاً المسلسلات التركية إلى مختلف شاشات "أم بي سي". لكن في المقابل لم توقف هذه الأخيرة محاولاتها للمنافسة الدرامية مع أنقرة وإسطنبول. التجربة الأولى باءت بالفشل، وهي تجربة "سرايا عابدين". فالكلفة المادية الضخمة للعمل لم تشفع لنجاحه. ولم يحظَ بنسب متابعة عالية، خصوصاً أن السيناريو المكتوب كان هدفه فقط ضرب أو منافسة سوق الدراما التركية. هكذا افتقدت الأحداث إلى ترابط واضح، فتابعنا تفاصيل حياة أسرة الخديوي إسماعيل، التي تدورعلى إيقاع ملكي صارم داخل القصر. وفي صلب القصة، حكايات أربع زوجات، كل واحدة تحيك الدسائس للأخريات، في تقليد واضح وسطحي لنجاح "حريم السلطان" التركي. المسلسل الذي حقق حوالي نصف مليار دولار كأرباح في مختلف مواسم عرضه.
لكن القصة الشبيهة بسيناريو "حريم السلطان" لم تساعد إطلاقاً على نجاح "سرايا عابدين".على العكس تماماً، خصوصاً أن الكلفة المالية اعتبرت باهظة قياسًا إلى الإنتاج التركي المستورد، والذي يحقق أعلى نسبة إعلانات وعائدات تجارية ربحية.
محاولة تغيير فاشلة
من هنا، لم يكن أمام القائمين على المحطة إلا التوجه مجدداً إلى الأعمال التركية الخالصة. لكن في العام الأخير، عادت الشبكة إلى محاولة تقديم الإنتاجات الضخمة، فكان مسلسل "غرابيب سود" الذي أنتج عام 2017، خصوصاً أنه عمل على محاكاة بدايات وتوسع نفوذ تنظيم "داعش" وفق رواية تناسب سياسة السعودية. بلغت تكاليف العمل 10 ملايين دولار، وصُور في لبنان. لكن الفشل كان مجدداً من نصيب العمل، أولاً بسبب سطحية معالجته، ثمّ بسبب تهرب الشركة المنتجة من دفع التكاليف، بينما لا يزال عدد من الذين عملوا في المسلسل ينتظرون قسماً من مستحقاتهم. كل هذه العوامل أدت إلى وقف بثّه عند الحلقة 20، علماً أنه مؤلّف من 26 حلقة روّجت لها MBC بشكل ضخم قبل انطلاق شهر رمضان وقتها.
الدراما الاجتماعية
بعد العام 2018، أوقفت "أم بي سي" فعلياً محاولاتها لتقليد المسلسلات التركية، لكن لفترة قصيرة فقط. إذ عادت في هذه السنة بمسلسل "عروس بيروت" الذي صوّر كاملاً في إسطنبول. راهنت الشبكة على استنساخ نجاح مسلسل "عروس إسطنبول" الذي حقّق أرقام مشاهدة قياسية في تركيا وفي العالم العربي بعد دبلجته. مجدداً كانت محاولة بائسة، فالعمل الذي
اعتبر واحداً من أهم الإنتاجات نظراً لضخامته وكلفته، جاء مخيباً للآمال على الرغم من الاستعانة بالعنصر التركي لضمان الحرفية، لجهة التصوير وإعداد الممثلين، لكن الطابع العام للقصة أوقع المشاهد في فخ الضياع بين سيناريو يقال إنه لبناني، تجري أحداثه في مدينة جبيل العريقة (شمال بيروت) في حين أن مشاهد الشوارع والطرقات والجامعات والمستشفيات كانت في تركيا. كل ذلك أفقد العمل ثقة المشاهدين اللبنانيين على الرغم من تباهي المحطة اللبنانية (LBCI) التي عرضته بالنجاح الجماهيري الذي حققه عند اللبنانيين.
رسائل سياسية
اليوم تعيد MBC الكرة مع مسلسل "ممالك النار". من الناحية الفنية وبعد عرض 3 حلقات يبدو العمل أكثر إتقاناً من كل إنتاجات القناة السابقة ورغم أنّ المسلسل يعتبر "نخبويًا" إلا أنّ المحطة وبعد طول انتظار جمعت إمكاناتها وأولت إلى مجموعة من البريطانيين إنتاج العمل. سبب هذا الإتقان والإصرار على نجاح المسلسل، يبدو أولاً وأخيراً سياسياً. إذ يروي العمل تفاصيل حقبة سقوط دولة المماليك في مصر وانتصار العثمانيين مطلع القرن السادس عشر. ببساطة تستغل السعودية (MBC) ومعها الإمارات (شركة جينوميديا الإماراتية المنتجة) صراعها مع تركيا حالياً، لتعيد رواية التاريخ وفق ما يناسب مصالحها الحالية. علماً أن العمل الذي كلف إنتاجه 40 مليون دولار، وفق التسريبات الصحافية، من بطولة مجموعة من النجوم العرب بينهم خالد النبوي، ومحمود نصر، وكندة حنا، ورشيد عساف، ومنى واصف وعبد المنعم عمايري، وديمة قندلفت.
هكذا لا تكتمل الصورة الأساسية لأي إنتاج تعوّل عليه القنوات السعودية ولا سيما "أم بي سي" هذه المرحلة: فإما أن ياتي العمل منقوصًا على الصعيد التقني الفني، وإما أن يخضع لأجندة سياسية تحاول هي الأخرى الفوز ولو كان ذلك على حساب المتلقي في قلب الصورة من وجهة نظر واحدة.

دلالات

المساهمون