قتيبة الجنابي: رجل الخشب في طريقه إلى المكان الأول

قتيبة الجنابي: رجل الخشب في طريقه إلى المكان الأول

14 نوفمبر 2019
حاولت أنْ أمزج بين مفهوم الشجرة ومفهوم الإنسان (Imdb)
+ الخط -
انتهى المخرج العراقي قتيبة الجنابي من إنجاز فيلمه الروائي الجديد "رجل الخشب"، وهو الجزء الأخير من ثلاثية تضمّ "الرحيل من بغداد" و"قصص العابرين". حصل "رجل الخشب" على دعم من "معهد الدوحة للأفلام"، ومن مهرجانات سينمائية مختلفة. تتميّز أفلام الجنابي بطرح خاص، ورؤية سينمائية، أثارا الجمهور ونقّاد السينما. فهي تهتمّ بالعراقيين المهاجرين في المنافي. "العربي الجديد" حاورت الجنابي حول فيلمه والسينما. 

- ماذا عن موضوع "رجل الخشب"؟
* تدور أحداث الفيلم حول دمية خشبية، بالحجم الطبيعي للإنسان، لكنّها لا تتحدّث ولا تتحرّك. طريقة التصوير والفعل الدرامي للمونتاج يعكسان ما يرنو إليه رجل الخشب هذا، ويعكسان أحاسيسه وعواطفه ومحنته. بعد لحظات قليلة، يبدأ المُشاهد بالتفاعل معه.
الفيلم حكاية خيالية ترمز إلى الغرباء واللاجئين، الذين يمثّلهم رجل الخشب، وهي عكس التصوّر المعتاد لأفلام الهجرة، فرجل الخشب يودّ العودة إلى المكان الأول (الوطن). إنّه يمثّل أمنية لاجئين كثيرين.


- وماذا عن أحداثه؟
* إنّها تتقاطع مع ثلاث شخصيات: رجل الخشب والمرأة صاحبة البيت والحارس، وتدور في مكانٍ واحد وزمان واحد، عند حدود نهايات العالم. رجل الخشب هو ذلك العراقي الذي دفعته الظروف إلى أن يكون في هذا المكان والزمان، وسط صقيع ثلجي. هذا مركز الأحداث. لكلّ واحد من هؤلاء الثلاثة عالمه، وكلّ واحد منهم يتوق إلى شيء فَقَده: الحبّ والعلاقة الإنسانية والدفء الإنساني والانتماء. هناك في حياتنا لحظات ينعدم الحوار فيها، أو يكون قليلاً. هكذا تتطوّر قصّة الفيلم، من خلال لغة سينمائية بصرية شديدة الخصوصية.


- ما طبيعة المقاربة بين "رجل الخشب" وفيلميك السابقين في ثلاثيتك السينمائية؟
* خلال حياتي المهنية الطويلة كنتُ أسعى إلى أنْ أكون مع الآخر، ومع الذين لا صوت لهم. بالتالي، فإنّ النهج الفني الذي اعتمدته ينبع من رغبتي الفنية والإنسانية في تسليط الضوء على القضايا الأخلاقية والسياسية الأساسية في المجتمع، وفي العالم الذي نعيش فيه الآن. السعي إلى استخدام لغة سينمائية تعتمد على الجمال والحوارات البصرية، بدلا من الحوارات اللغوية، وهدم الحدود بين البشر في كلّ مكان، والعمل على تحقيق تفاهم عالمي بصري.
هذا الفيلم بيان بصري درامي عن المتغيّرات الجيوسياسية في عالمنا. "رجل الخشب" هو الرجل الذي يُمثّل شجرة اقتُلعت من مكانها، وأُجبرت على المغادرة. تسلسل الأحداث يراوح بين الواقعية والخيال، فتتلاشى الحدود بين موضوع الإثارة وطريقة السرد، مع دمية خشبية بالحجم الطبيعي. والدمية بطلة الرواية، وتمثّل الغرباء والمهاجرين في عالمنا.
إنّه فيلم من "أفلام الطريق"، فرجل الخشب يبحث عن مكان للاختباء، لأنّ قوى الشرّ غير المرئية تُطارده. ورغم أنّها غير مرئية، إلّا أنّنا نحسّ بها ونخاف منها. نحن معه، وهو يريد العودة إلى الجذور، إلى الوطن. هذا يجعلني أكمِل بهذا الفيلم الثلاثية التي اقترحتها عن اللجوء والمهجر.


- ماذا عن رؤيتك الفنية للحكاية؟
* حاولت أنْ أمزج بين مفهوم الشجرة ومفهوم الإنسان الذي يحمل كوابيسه وأحلامه وحنينه، فيكون في بيئة غريبة عنه. تدور الأحداث في فصل الشتاء، وتحديداً مع هطول الثلج، حيث نراه من البداية يهرب راكضاً، ويختبئ أحياناً من مُطارديه. تتشابك المفردات البصرية مع الضوء، والضوء أحد أبطال الفيلم أيضاً.
إنّها رحلة بين الواقع والخيال في أسرار العقل. سيمفونية الصورة والصوت والمشاعر والحنين والرغبة في العودة إلى المكان الأول. رحلة داخلية في ذهن رجل الخشب، تمتزج مع صراع عواطفه وطموحاته. ورجل الخشب يسعى، بل هو يتوق إلى العودة للوطن، إلى ذلك المكان السرمدي (بغداد). كما أنّه يريد إنهاء الوضع الانتقالي المرير الذي يعيشه، والوضع طرف غريب. هو لاجئ أُجبر عليه. لم يكن ذلك الترحال والضياع حلمه وغايته. إنّه فيلم شخصي، يعكس مشاعر الاغتراب والعودة.

- يطغى على الفيلم الجانب الوثائقي. ما الأسلوب الذي اعتمدته؟
* اعتمدت أسلوباً يتّجه إلى البناء الوثائقي التشويقي. أسلوب التصوير والمونتاج يدفع المُشاهد إلى الإحساس بآنيّة الأحداث التي تقع في الزمن الحاضر، ما يجعل المُشاهد يدخل إلى ذهن رجل الخشب، ويتقمّص أحاسيسه.
تتميّز طريقة التصوير في أنّ الكاميرا تأخذ وجهة نظر رجل الخشب، وبالتالي توحِّد المُشاهد والمُتابع مع البطل. هكذا يُعطي الفيلم انطباعاً بأننا نعيش الأحداث التي تظهر على الشاشة في الوقت الحاضر.
تبلورت الفكرة منذ زمن، نتيجة مشاركتي واهتمامي طوال حياتي بالغرباء، أولئك الناس البعيدون عن أوطانهم، اللاجئون والمهاجرون. "روح" هؤلاء أسرتني مدى حياتي. غربتي القسرية عن بلدي تفاعلت بعمق وعاطفة شديدين، ونشأت منها إنجازات فوتوغرافية وسينمائية عديدة، مرتبطة باسمي. هذا السلوك فني وأخلاقي، والتشابه الروحي قادني إلى فكرة "رجل الخشب"، الذي يودّ العودة إلى مكانه الأول.
إضافة إلى تجربتي الشخصية الخاصة، هناك أيضاً الحركة العالمية والإعلام الموجّه ضدّ مفهوم الهجرة في غالبية بقاع الأرض. لهذا كلّه، قرّرت الخوض في أعماق المُهاجر العراقي، وطرح هذه الفكرة المحلية والعالمية بشكل مختلف، يبتعد عن الطرح الكلاسيكي بأنْ تكون دمية خشبية الشخصية الرئيسية في الفيلم.

- ومشروعك المقبل؟
* مؤخّرا، بدأت ترتيب أمور فيلمٍ جديد، فكلّ شيء جاهز تقريبا، وعنوانه "أين أنتِ يا مريم". تدور أحداثه في سرداب واحد، تحت كنيسة كبيرة. اخترتُ تلك الموجودة في ساحة الطيران في بغداد. الأمور جاهزة. الديكور والمفردات كلّها. الفيلم مستوحى من فكرة القنفذ، وهو أحد أبطال الفيلم أيضاً.
المشروع منتمٍ إلى فئة "أفلام الميزانيات القليلة"، ومع هذا، فالفكرة كبيرة. صوّرت القليل منه، ثم توقّفت عن التصوير، لأنّي قررت أنْ أتعامل، للمرة الأولى في حياتي، مع مُصوّر آخر. التجربة ستكون مع مدير تصوير إنكليزي معروف. الميزانية محدودة جدا، وهو سعيد بقوّة الفكرة، وبالتحضيرات. ستكون لغة الفيلم الآشورية، رغم أنّي لا أجيدها، مع بعض العربية. سأتعاون مع ممثلين مسيحيين.
الفكرة تقول: "يا إخوتنا المسيحيين، لا تتركونا وتهاجروا".

دلالات

المساهمون