التحيُّز الجنسي... الأمر ليس مُضحكاً

التحيُّز الجنسي... الأمر ليس مُضحكاً

03 أكتوبر 2019
دور أحمد حلمي في "ميدو مشاكل" نموذجاً للتحيز (Getty)
+ الخط -
المبالغة هي إحدى الأسس التي تستند إليها الكوميديا؛ فقد يرى البعض أنّه مجرّد مزاح في إطار درامي، أو تلفزيوني، مسلٍّ، لا أكثر، ولا يجب أن نتناوله بكل هذه الجدية، والسّخط أحياناً. هل تجاوز هذا النقد فعلًا حده في تقييد ما نستطيع الضحك عليه؟
كلنا نحب الضحك، لكن المشكلة في هذا النوع من الكوميديا هي أنها بحد ذاتها لا تتحدى مظاهر التعصب والعنصرية القائمة على أساس العرق والنوع الاجتماعي أو التوجه الجنسي، لا تعيد النظر فيها، على العكس تمامًا، المسلسل يؤكدها لكن بـ "طريقة طريفة".
الاعتراف بالتعصب لا يعد انتقاداً له، خصوصًا عندما تنتهي المزحة -في المثال الذي نتناوله- بطرافة خفيفة تستخف بقضايا اجتماعية هامة، كالتحرش الجنسي.
في حين أننا نعرف أن رسالة "بيغ بانغ ثيوري" ليست بالطبع هي أن "التمييز ضد المرأة هو أمر جيد"، إلا أنه يجب أن نعرف أيضًا أن الآثار المترتبة على مشاهدة هذا الكم من الازدراء ضد المرأة الذي يتناوله المسلسل كموضوع رئيس هو أمر مقلق، إذ إن رسالة المسلسل الكوميدي أقرب إلى كونها "التمييز الجنسي في معظمه غير مؤذ"، وخاصة عندما يأتي التمييز من هؤلاء العباقرة غريبي الأطوار الظرفاء.
يفترض The Big Bang Theory أن تخفّ حدة التحيز الجنسي عندما يصدر عن نماذج لا تنسجم مع الصورة النمطية الذكورية من خلال تأطيرها على أنها مثيرة للشفقة، وليست بمسألة جلّى وإنما هي "مزحة ولو"، يرافقها هزة في الرأس تستخف بالكلام المفرط في الجدية الذي نكتبه الآن.
في الحقيقة، التحيز الجنسي هو مسألة كبيرة، خصوصًا في الأوساط العلمية، إذ إن أي امرأة من مجتمعات الدراسة العلمية واختصاصات المعلوماتية تستطيع أن تخبرك عن تجربة عملية عن تجربة تحرش أو انتقاص أو ازدراء سيئة تعرضت لها في هذه الأوساط. ومع الأسف، الواقع مليء بنماذج من الرجال الذين يتصرفون تمامًا مثل شخصيات Big Bang Theory، وفي الحقيقة الأمر ليس مضحكًا، ولا ظريفًا.  
ليس من الصعب حقًا كتابة شخصيات جديدة ومميزة من نمط "النيرد"، أو العباقرة أصحاب الطباع الغريبة، بحيث لا يكونون متحرشين، وليس فقط في هوليوود وإنما أيضًا في المسلسلات والأفلام العربية التي تقتبس هذا النمط الكوميدي، فعلى سبيل المثال هناك العديد من الشخصيات التي أداها الممثل المصري أحمد حلمي في أفلامه الكوميدية والتي تندرج تحت نمط مشابه، ونخص بالذكر "ميدو" من فيلم "ميدو مشاكل"، نيرد يدرس في معهد التكنولوجيا والإلكترونيات السلكية واللاسلكية يتعامل بطريقة سلبية بالغة مع مختلف أنماط شخصيات النساء فيه، فهو شاب طائش يحاول الإيقاع بالرسامة الموهوبة تارةً، والتي يصورها الفيلم كموهومة ثرية وسطحية، ثم يسخر ميدو على الدوام من زميلته في المعهد (الفتاة التي لا تتبع نمط الأنوثة التقليدي في تعبيرها الجندري)، فضلًا عن دور أخته الذي تتعرض إلى تنمّر دائم منه على الرغم من مساعدتها له عن الدوام، ميدو يسخر من كل النساء وسذاجتهن في الفيلم الذي شوهد بشراهة وكسب شهرة واسعة عربيًا، في الوقت الذي تعاني منه مصر كثيرًا من مسائل التحرش، كذلك الأمر على صعيد المنطقة العربية إجمالًا، ما يعيد طرح "معليش، هي مجرد نكتة"، المقولة المضادة لعمل منظمات حقوق المرآة والنسوية ويقوّضها باستخفاف إن صح التعبير، والأخطر في الأمر هو أن الكوميديا هي حمّال رسائل مرن جدًا لأن يكون تخريبيًا، فضلاً عن شعبية هذه المواد الفيلمية والتلفزيونية.
لا شك أنه يمكن خلق شخصيات تتمكّن بطريقة ما من أداء أشكال ذكورة مختلفة، غريبة ومضحكة من دون الوقوع غالبًا في التمييز الجنسي الرجعي بشكله هذا (ليونيل من Dear White People) مثالًا. ليس من الصعب إدراك أنه لا يوجد شيء طريف أو عادي عندما يتعلق الأمر بالميسوجينية أو العنصرية ضد النساء، حتى لو كان مصدره شباناً ظرفاء يدمنون لعبة فيديو. 

المساهمون