"ببغاء" النكبة يواجه المحتلّ بالشتيمة

"ببغاء" النكبة يواجه المحتلّ بالشتيمة

23 أكتوبر 2019
الببغاء الفلسطيني في مواجهة المحتلين (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
رغم أنّ إنتاجه عائدٌ إلى عام 2016، اختير "الببغاء" (18 دقيقة)، لدارين ج. سلام وأمجد الرشيد، للمشاركة في برنامج "نكبة ديجا فو"، في الدورة الثانية (16 ـ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) لـ"مهرجان سينما فلسطين الدوحة". فالمهرجان معنيّ بعناوين تقول شيئًا من أحوال فلسطين والفلسطينيين، جرّاء نكبة تحلّ عليهم عام 1948، وتستمرّ في رفد عيشهم اليومي بمصاعب وأهوال وتحدّيات وآمال. ورغم أنّه يتابع اللحظات القليلة الأولى لوصول عائلة يهودية تونسية إلى حيفا، واحتلالها منزل عائلة فلسطينية تغادر على عجل، تاركةً كلّ شيء في مكانه ـ إشارةً إلى عودة قريبة، أو عجزًا عن فهم ما يجري، أو خوفًا من قتلٍ وتنكيلٍ على أيدي عصابات صهيونية ـ يمتلك "الببغاء" (كتابة سلام والرشيد ورفقي عساف) قدرًا من السخرية، المتمكّنة من التلاعب على مأساة النكبة وتأثيراتها العنفية، كأنّ السخرية تعويض عن واقع مضطرب وقاس، أو كأنّ النكتة امتداد لرغبة المواجهة والتحدّي. 

تحتمل البداية تأويلاً: الكاميرا تُصوّر أثاث المنزل، والمتروك فيه. لقطات توحي أنّ سكّانه مغادرون قبل لحظات قليلة، فالطعام الساخن موضوع على الطاولة. صُوَر معلّقة على الجدران. منزل مرتّب، يقول ضمنًا إنّ سكّانه ميسورو الحال. هناك بهاء يعكسه الضوء الفًرِح. لكن السكينة في المنزل مخيفة. يُفتح الباب، فيظهر نورٌ عظيم من الخارج، يُعطِّل كلّ إمكانيّة لانكشاف الخارج. يدخل رجل يحمل فتاة نائمة على كتفه، وامرأة تحمل أغراضًا، ومعهما جندي. يُعرَف سريعًا أن العائلة الجديدة يهودية تونسية، وأنّها قادمة إلى حيفا بعد وقتٍ قليل على نكبة فلسطين. يُمنح الجندي بعض الحلى النسائية، لمساعدته العائلة على العثور على منزل. كلّ شيء يبدو جيدًا. آثار المعارك والمجازر والمخاوف مختفية كلّيًا. لا وجود لأي فلسطيني، باستثناء وجوه موثّقة في صُوَر فوتوغرافية، تُزال فورًا عن الحائط. المنزل يمنح هدوءًا وسلامًا داخليين.

هذا مُقدَّم في الدقائق القليلة الأولى، قبل اكتشاف الببغاء، الذي سيكون الفلسطيني الوحيد بين اليهود الإسرائيليين. الابنة عزيزة (ياسمين بن عمارة) تتعلّق به سريعًا. يُوافق موسى (أشرف برهوم) على مضض، بعد نظرات راحيل (هند صبري) المتعاطفة مع عزيزة، والصارمة معه. لكن الببغاء شتّام، ما يُثير لاحقًا نفورًا واستياء. موسى متوتر، إذْ يريد تكريم بنيامين (فراس الطيبة) فورًا، لأنّه رجل أعمال، ولأنّه موعودٌ منه بوظيفة. بنيامين مُهاجر، رفقة عائلته المكوّنة من زوجته روزا (لارا صوالحة) وابنهما إيهود (أحمد المدني)، إلى فلسطين المحتلّة قبل موسى وعائلته. الدعوة إلى العشاء تستنفر العائلة التونسية. كلام قليل يُستشفّ منه ارتباك راحيل، ورغبتها في ترتيب الأمور كلّها قبل الدعوة. لكن موسى محتاج إلى عمل، وبنيامين سيوفّره له.



تفاصيل كهذه لن تحجب حيوية النص، وجمالية سرده الحكائيّ، وتمكّن الفيلم من جعل التبسيط أداة تفاعل ومتابعة. الصدام حاصلٌ بعد "اعتداء" الببغاء على إيهود، بإعلان روزا ما تُضمره، فهي غير مرتاحة إلى هذه الزيارة أصلاً (هناك تعبير عن نظرة فوقية وطبقية). الغضب يدفع موسى إلى رمي الببغاء خارج المنزل. على الأرض، يُكيل الببغاء الشتائم للمارّين، وهم جنود صهاينة.

التكثيف أساسيّ. الأداء التمثيلي مريح للعين والمتابعة، رغم انفعال زائد، أحيانًا، في كيفية تقديم شخصية موسى. الألوان مُثيرة للتساؤل عن الإسقاطات الدارمية والجمالية للحكاية والمضمون والفضاء الإنساني. الروائي القصير هذا مشغول بلغة تهجس بهمّ النكبة وتأثيراتها العنفية على الفلسطينيين، وبكشف آلية الاحتلال وتفاصيله، من خلال عائلة يُصادَر لها منزل فلسطيني بقوّة الاحتلال.

"الببغاء" مصنوع لقولٍ سلسٍ عن عمق أزمة النكبة، عبر عائلة تونسية يهودية. الإشارة هنا واضحة: الآلة الصهيونية تساهم في تمزيق الاجتماع العربيّ أيضًا، بسلخها يهودًا عربًا وجلبهم إلى فلسطين المحتلّة مع أحلامٍ بالرخاء والهناء والراحة، تتبدّد سريعًا.

المساهمون