"أسرار رسمية": سينما تفضح خفايا

"أسرار رسمية": سينما تفضح خفايا

11 أكتوبر 2019
كيرا نايتلي: أداء رائع (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
عام 2003، قبل أسابيع قليلة من الغزو الأميركي البريطاني للعراق، سرّبت كاثرين غان، المترجمة في "وكالة الاستخبارات البريطانية"، وثيقة "سرّية للغاية"، تتعلقّ بعملية لـ"وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية" تهدف إلى التجسّس على ممثّلي ست دول في مجلس الأمن، لابتزازهم كي يُوافقوا على قرار الحرب ضد العراق. 

نُشرت الوثيقة في الصحيفة البريطانية "ذي أوبزرفر"، لكن نشرها لم يؤثّر، فيمنع انطلاق الحرب، التي بدأت بعدها بأيام، بينما اعتُقلِت غان، ثم حوكمت لاحقًا بتهمة الخيانة.

القصّة هذه باتت فيلمًا بعنوان "أسرار رسمية (Official Secrets)"، للمخرج غافن هوود (جوهانسبرغ، 1963). صانع أفلام يهتمّ بالقضايا السياسية، كما في "توتسي" (جنوب أفريقيا، 2005)، الحاصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي (2006)، متناولاً فيه الحياة القاسية في جوهانسبرغ؛ ثم لاحقًا، مع انتقاله إلى هوليوود، منجزًا فيها Rendition عام 2007 (التحقيق مع مهاجر مصري في قضية متعلّقة بالإرهاب)، وEye In The Sky عام 2015 (عملية عسكرية ضد إرهابيين في كينيا، تطرح سؤالاً أخلاقيًا يتعلّق باحتمال مقتل مدنيين، بينهم أطفال، أثناء تنفيذها).

لهذا، تُصبح مادة "أسرار رسمية"، المقتبس عن "الجاسوسة التي حاولت إيقاف الحرب" لمارسيا وتوماس ميتشل (مع كاثرين غان نفسها)، مناسِبَة جدًا لما يهواه هوود في السينما، فيُقدّم أفضل أفلامه على الإطلاق.


يدمج غافن هوود، ببراعة، بين أبعاد مختلفة، تشكّل فيلمه:
الأول متعلّق بكيفية تعامله مع شخصية كاثرين نفسها، إذْ جعلها في قلب الفيلم تمامًا، واستغرق وقتًا ـ في بداية العمل ـ لخلق رابط عاطفي بينها وبين المتفرّج؛ ومع حياتها وعملها وطبيعتها الشخصية، والأهم علاقتها بزوجها، الذي ستهدَّد به لاحقًا لكونه مسلمًا. مع تقدّم الأحداث وتعقّدها أكثر فأكثر، لا ينصبّ الاهتمام فقط على الحقائق والتفاصيل والسياق السياسي الذي يدور فيه الفيلم، بل يُحافَظ كذلك على البُعد الدرامي الشخصي، وهذا أمر ساعَدَ فيه بقوّة أداء ممتاز لكيرا نايتلي للجانب الهشّ والضعيف والخائف في الشخصية، وقيام الشخصية بفعلٍ قوي للغاية، لاعتقادها أنّ هذا هو الصواب، الذي يحتمل أن يُنقذ حياة مئات آلاف الناس.

الثاني مرتبط بالجانبين التحقيقي والسياسي، فالفيلم يتناول صحافيي "ذي أوبزرفر" الذين نشروا الموضوع، وتحديدًا مارتن برايت، وتعاملهم مع المذكرة المسرّبة ومسؤولية التحقّق منها، بشكل يذكّر بأفلام التحقيقات الصحافية، كـ"بقعة ضوء" (Spotlight)، الذي حقّقه توم ماكارثي عام 2015، ونال بفضله جائزتي "أوسكار" في فئتي أفضل فيلم وأفضل سيناريو (2016).

رغم أن الفيلم تقليدي للغاية، في تناوله هذا الجانب، إلّا أنّ الصورة الأوسع، المتعلّقة بالبعد السياسي، مشدودة الوتر، بفضل التفاصيل المكشوفة التي لا تعرفها الغالبية الساحقة من المشاهدين، خصوصًا مع استخدام هوود مواد أرشيفية عن جورج بوش الابن وتوني بلير وبداية الحرب، لسرد تفاصيل تلك الأسابيع الساخنة والحاسمة في مصير العالم.

أخيرًا، تعامل الفيلم، في ثلثه الأخير، مع الجانب القانوني من الحكاية بذكاء، خصوصًا احتمال تعرض كاثرين غان للسجن، بسبب مخالفتها قانون "الأسرار الرسمية"، فيتحوّل ـ بشكل أو بآخر ـ إلى فيلم محاكمات، مستفيدًا تمامًا من الطاقة التي يضخّها الممثل رالف فينس في شخصية بِنْ إيمرسن، مع دخوله الأحداث كمحامي الدفاع عن غان.

حصيلة هذا التناول البارع لتفاصيل الحكاية تحقيق أحد أفضل أفلام الدراما السياسية في الأعوام الأخيرة.

دلالات

المساهمون