ماجدة الرومي وجوليا بطرس... لمن تغنّيان؟

ماجدة الرومي وجوليا بطرس... لمن تغنّيان؟

04 يناير 2019
+ الخط -
حادثتان في الوسط الفني شكلتا تعديا واضحا للسياسة حين تُقحم في الفن. هنا، القصة أكبر من أوبريتات تصنع في ساعات من أجل دولة، أو صوت مطربة يُهدد بالاختفاء لأنها تحدّت زوجها الأمير النافذ سياسياً. بل الهامش يكبر ليصل حد التلاعب بمن باتوا قلة في الوطن العربي تحت مسمى "قامات"؛ أي من يغنون على مسارح كبرى وفي حفلات تقوم على أوركسترا ضخمة. باسمهم تفتح مهرجانات وتختتم فعاليات؛ فإذا ما تعدوا الفعل الفني نحو بوابة السياسة بدأ الرجم. ومِن مَن؟ من أقرب المقربين في الوسط الفني والإعلامي الذين يرون في ذلك سقوطاً أخلاقياً للفنان ينعكس على رصيده الفني وإرثه الكبير في ذهن الجمهور. وفي حفلتي صور للفنانة جوليا بطرس وطنطورة لماجدة الرومي خير مثال. 
إلى المدينة التي غابت عنها جوليا عقدين ونصف العقد، عادت بلوحات إعلانية ضخمة وبجمهور كبير. إرشادات للسلامة وزّعتها جوليا من أجل الحدث الذي سيجري في الجنوب؛ حيث غنت وتغنت بالمقاومة، وهناك سترفع أعمدة المسرح على أوابد المدينة الفينيقية، حتى لو لم تتحمل أرضية المسرح الأصلي. لم يهم ماذا سيحدث في التاريخ طالما جوليا تسطّر الحاضر بصوتها. هكذا رأى معجبو جوليا ممن يرونها مطربة المقاومة. المقاومة نفسها التي تمنع غناء النساء وتقتطع صوت ديمة أورشو على قناة المنار حين تعرض مسلسل بقعة ضوء.
غنت جوليا حفلاً إضافياً خصصت ريع تذاكره لأهل صور، وهناك قدمت حفلين هُوجما بأنهما يستعرضان أسطورة المقاومة ويحاولان ادعاء أنها انتصرت حين تدخلت مليشيات حزب الله في سورية والعراق. وذلك لا يلغي مواقف جوليا التي اتخذتها خلال سنوات الثورة السورية ولقاءها أمين عام حزب الله، فهل جاء تعبير جوليا عن المقاومة في غنائها فكراً أم ترجمة لتبعية مرتبطة بأسماء سياسية ليس أكثر؟
في المقابل، كانت الفنانة ماجدة الرومي مع حدث لا يقل جدلاً عن سابقه، فمع نهاية عام تهمّشت فيه صورة السعودية إعلامياً في العالم بعد انتهاكات ولي العهد محمد بن سلمان واحتجازه رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، وجريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، جاءت الأوامر الملكية بعقد مهرجان شتاء طنطورة، للتعريف بمدينة العلا التاريخية التي تدل على الأصول الحضارية للسعودية.
وإلى هناك، سافرت عشرات الوجوه البارزة من لبنان في مجالي السياسة والفن، ليشهدوا حفل ماجدة الرومي في المهرجان. ماجدة ارتبكت على المسرح، واعتبرت الحفل الأصعب في حياتها وتغزلت في السعودية وسيوف نصرها. عقب بث الحفل المباشر انطلقت حملة هجوم على ماجدة التي أسقطت، بنظر المهاجمين، رداء الوطنية عن فنها لتحول نفسها بما قالته إلى مغنية لنظام سياسي تشوبه الكثير من الأخطاء مع سمعة متأرجحة للغاية. فماجدة التي غنت لنزار قباني ومحمود درويش قصائد عن حرية الأرض والوطن الأعلى في السماء، لا يليق بتاريخها الفني أن تنطق بهكذا كلمات.
بين التجربتين ظروف مختلفة للغاية، زمنياً ومكانياً، لكنهما تثبتان أن السياسة حين يراد لها أن تقحم في الفن، قد تهز صورة نجوم من الصف الأول. وكأن ناقدا يقول نحن نطرب لأم كلثوم لفنها فقط، وليس لمواقفها من الحكم الملكي ومن بعده الناصري، نطرب لأجل صوتها. فماذا عن صوتي جوليا وماجدة اللذين يغردان في سرب مستقل عن باقي أصوات هذه المرحلة من التاريخ الموسيقي العربي. ستذكر الأجيال القادمة صوتيهما فقط، أم أنهما فقدتا استقلال مشروعهما الفني حين ربطتاه بفعاليات سياسية حتى النخاع؟

المساهمون