"نوثينغ تو هايد"... خسوف ينتظر مكالمة

"نوثينغ تو هايد"... خسوف ينتظر مكالمة

03 يناير 2019
الضحك سيتحوّل إلى قصة كبيرة بعد وقت قصير (IMDB)
+ الخط -
كوارث كبيرة تحصل أحياناً من مجرّد شرارة صغيرة، الكوارث التي تأتي من مجرد مزحة أو "لعبة"، تنطلق من اقتراح بسيط بُغية تمضية وقت السهرة. اقتراح ظهر مرِحاً في نقطة بدايته لكن ما لبث أن صار المرح نفسه شعلة من نار، نجحت في أكل الجلسة بأكملها.
قد بدأت حكاية فيلم Nothing to hide هكذا. مجرد مزحة. أصدقاء الماضي اجتمعوا في سهرة للاحتفال بمناسبة حالة نادرة لخسوف كامل للقمر. أرادوا، في البداية فقط، تسجيل اللحظة بالصور ووضعها في أرشيفهم الشخصي وأيضاً الجلوس مع بعضهم بعد زمن طويل من الفراق. مع مرور الوقت، في السهرة، التي تبدو لطيفة في بدايتها، تنطلق كرة الثلج والاعترافات القاسية الجارحة/ ماضية في النزول والدحرجة، شيئاً فشيئاً، قصة تلو أُخرى، وفضيحة كبيرة إثر أخرى.

وكل ما حصل دار على طاولة واحدة، وفي منزل واحد. المخرج الفرنسي فريد كافييه (من مواليد مدينة رين 1967) ظهر حريصاً على أن يكون عمله مركزاً في منطقة واحدة، في منزل واحد، أو على طاولة واحدة. مع الإشارة إلى أن العمل مأخوذ عن فيلم إيطالي بعنوان .
"لنفتح الهواتف إذاً وندعها مشاعاً على طاولة واحدة". قالت ماري ( Bérénice Bej) وهي صاحبة البيت، والدعوة. طبيبة نفسية ثريّة غير قادرة على معالجة زوجها فانسان (Stéphane De Groodt) فيلجأ لطبيب نفسي آخر. وبالمثل تذهب هي لتكبير صدرها عند والدها الطبيب على الرغم من أن زوجها طبيب متخصص في هذا المجال. حالة ضبابية لن تُعرف أسبابها إلا لاحقاً، كما كل الحالات التي ستحضر على الطاولة نفسها. تنظر ماري إلى زوجها بنظرة دونية وهو الآتي من طبقة اجتماعية أدنى من طبقتها الراقية. وقد كان أبوها يريد تزويجها لطبيب يعرفه من الطبقة نفسها.

كانت الحكاية تحت الرماد، لكن أتت هذه "اللعبة" كي تُخرجها للنور والكشف على طاولة اللعبة نفسها. كل هذه القصص لن تظهر لوحدها، ستتكفل المكالمات الهاتفية التي ستكون مشاعاً لجميع الحاضرين بكشفها. كل القصص ستبدو واضحة. والألم سيأتي لاحقاً.
بمجرد وصول الأصدقاء كافة سنلمس حجم وقوّة العلاقة التي بينهم جميعاً (الذكور) فهم من بداية حياتهم مع بعض ويعرفون تفاصيل وخبايا بعض، لكن مع مرور وقت السهرة سيظهر أن كل الزمن الماضي كان كتلة من زبدة ساحت مع أول جلسة حكي ساخنة مثل لهب واعترافات صريحة خرجت من سمّاعة هاتف كل واحد منهم.
سنجد على الطاولة، إضافة لأصحاب البيت، ليّا ( Doria Tillier) وزوجها توماس ( Vincent Elbaz)، وإليهم الصديق الوحيد، "بين" ( Grégory Gadebois). ولوحدة هذا الأخير ستظهر قُصة أُخرى خلال الاتصالات والصور التي ستنطلق عبر شاشات وسمّاعات الهواتف. وسنعرف لاحقاً لماذا أتى وحيداً. وكذلك ماركو ( Roschdy Zem) مع رفيقته شارلوت ( Suzanne Clément).
هي التلفونات وقد صارت على الطاولة إذاً. بعد أن شرب الجميع ما طاب لهم وتنافسوا في مسألة من الذي أتى بقنينة نبيذ أغلى من الثانية. ليّا، كانت قد قالت لرفيقها قبل دخول البيت: "لو سمحت عليك أن تقبع لاصق السعر الموضوع على القنينة". لكنه يرفض وهو يضحك. الضحك نفسه سيتحوّل إلى قصة كبيرة بعد وقت قصير. عدم رفع لاصق السعر المدفوع من جهته كأنه يقول لها: "أنا أيضاً أقدر على شراء أشياء ثمينة من دونك".
لكن وحين تتأكد مسألة أن على الجميع طرح هواتفهم على الطاولة سنرى من يحاول التراجع. سيقولون بينهم وبين أنفسهم "لن نفعلها"، لكن لم يعد هناك من الوقت للتراجع. وحده ماركو من سيتراجع قليلاً وسيأخذ رفيق المدرسة (بين) الذي أتى وحيداً إلى السهرة، إلى البلكونة ليطلب منه تبديل الهواتف. أنت وحيد في السهرة وأنا تصلني صور من واحدة تبعث لي ليل نهار. "وبما أن هواتفنا متشابهة فعلينا تبديلها. وأنا متزوج وأنت وحيد، ليكن هاتفك هاتفي والعكس". يرفض بين. ويصر على رفضه. ستحدث المصيبة لاحقاً.

صور البنات العاريات الواصلة إلى هاتف "بين" والفاضحة ستفعل له سخرية كبيرة في الجلسة. لكن الكلام المثلي سيصل لهاتف ماركو. عملية التبديل تلك ستفعل فضيحة أُخرى. زوجة ماركو نفسه، قبل الحضور سيقولون له بنبرة ضحكة واحدة: أخدعتنا كل هذا الزمن! لكن زوجته سيكون وجعها موضوعاً على زاوية خاصة أُخرى.
لكن الحقيقة ستظهر تالياً. بعد خيانات بانت بين أفراد الصداقة نفسها. الوجع سيأخذ محلّه من التدّرج وسائراً بين هذا وذاك وسط الشريط. لقد ذهب عمر طويل على تلك الصداقة وفي النهاية يعرف الواحد بأنه مخدوع من أقرب الناس إليه.
وبعد هذا الشريط "اللعبة"، يبقى السؤال، كيف كان الناس يعيشون حياتهم بدون هذه الهواتف الذكية! كما وبدون وسائل التواصل الاجتماعية بما فيها الموقع الأزرق، وقد صارت فيه وسيلة تواصل صوتية ونقل صور ومحادثات خاصة وقد صارت تقوم بفضح الصورة الحقيقية لوجه الشريك الذي قضى من العُمر كثيراً معه وصار لهم أولاد.
لكن، لا بد للحياة أن تنتهي على نحو سليم. في نهاية الشريط لا بد من تصالح. هناك زوجات لا بد من اعترافهن بالخيانات والأزواج كذلك. لا بدّ لحياة كلّ الأطراف أن تخلص على نحوٍ ما؛ كأن لا سهرة كانت ولا فضائح.

دلالات

المساهمون