"فلاش"... التاريخ بوصفه احتمالاً

"فلاش"... التاريخ بوصفه احتمالاً

16 يناير 2019
يقدّم العمل رؤية فلسفية خاصة عن العالم والتاريخ (Getty)
+ الخط -
تعتبر شخصية "فلاش" إحدى أكثر شخصيات الأبطال الخارقين إشكاليةً، لأن اسم "فلاش" هو اسم مشترك أطلق على عدة أبطال خارقين ضمن القصص المصورة التي أنتجتها "دي سي"، وتشترك هذه الشخصيات بصفة واحدة، وهي السرعة الفائقة. لذلك لم تقرر "دي سي" مسبقاً أن تنتج مسلسلاً تلفزيونياً عن شخصية "فلاش"، ولكن بعد أن حضرت شخصية "باري آلان" (فلاش) في حلقتين من مسلسل "آرو" (السهم)، وتفاعل الجمهور مع الشخصية بطريقة إيجابية، قامت الشركة بطرح حلقات تجريبية في عام 2014، وبسبب نجاح تلك الحلقات استمر صناع المسلسل بإنتاج أجزاء جديدة منه، حتى وصلنا اليوم إلى الجزء الخامس. 

تعتبر شخصية "باري آلان" شخصية نموذجية لمسلسل آكشن/خيال العلمي، فهو عالِم يعمل ضمن سلك الشرطة كخبير جنائي؛ وتبعاً لذلك فإن باقي أبطال المسلسل هم من رجال الشرطة والعلماء، بما في ذلك شخصية البطل المضاد "هاري ويلز"؛ الذي يساهم مع "باري آلان" بتطوير معالم المستقبل على خلفية صراعهما الدرامي؛ علماً أن أحداث المسلسل تجري في المستقبل القريب، بعد أن يغير العلم معالم البشرية بسبب خطأ (مقصود) أدى إلى انفجار "مسرع الجزئيات"، الذي اخترعه "ويلز"، لتدخل البشرية في عالم المستقبل وعصر السرعة، وينجم عن هذا الخطأ ظهور البشر المتحولين الذين يملكون قدرات خارقة، ومن بينهم "فلاش".
ورغم أن "فلاش" يرتكز بحبكته على نظريات علمية معقدة، كالنظرية النسبية لآينشتاين، ونظرية الأكوان المتوازية، ويستنفد هذه النظريات لخلق إطار درامي يستوعب كل الاختلافات التي قدمت عن شخصية "فلاش" بالكوميكس؛ إلا أن المسلسل يستند بحبكته أيضاً إلى مجموعة من المسلسلات والأفلام السابقة، التي يعيد صياغتها بتركيبة درامية خاصة وشاملة؛ فبداية المسلسل تبدو شبيهة ببداية بـ "ميسفيتس"، مع اختلاف طفيف: البشر في "ميسفيتس" يكتسبون قدراتهم الخارقة من خلال تعرضهم للبرق الناجم عن عاصفة، بينما الشخصيات في "فلاش" تكتسب قدراتها الخارقة من خلال تعرضهم لإشعاعات الانفجار المقصود. كما أن العلاقة العاطفية التي يعيشها "باري آلان" تبدو شبيهة بالعلاقة العاطفية التي يعيشها بطل المسلسل الكرتوني "النمر المقنع"، فهي علاقة تجمع بين بطل خارق متخفي مع صحافية تحقق النجاح بسبب ما يقدمه البطل الخارق لها من امتيازات.

ورغم أن المسلسل يبدو من حيث الشكل تقليدياً ومكرراً، لكن ما يميزه فعلياً هو تقديمه لرؤية فلسفية خاصة عن العالم والتاريخ البشري؛ فالمسلسل يتعامل مع التاريخ البشري بوصفه احتمال ليس إلا، ويدرك "فلاش" ذلك بعد أن يعيش فترة من الانكسار والتشاؤم لاعتقاده بأنه محكوم بالفشل، بعد أن يدرك بأنه سيقوم بالمستقبل بالعودة إلى الماضي وسيفشل بإنقاذ أمه من القتل على يد "فلاش المعاكس"؛ ولكن "فلاش" يقرر في النهاية أن يتحدى الواقع، وأن يتعاطى مع التاريخ والحاضر كاحتمال ويسعى لتغييره من خلال سرعته الخارقة والسفر عبر الزمن.

يتميز الجزء الأول عن باقي الأجزاء بأن البطل الحقيقي فيه لا يرتدي ثوب البطل، ففي حين ننتظر أن يقوم "فلاش" بتخليص المدينة من الشر الواقع عليها، نراه منشغلاً بالبحث عن حلول لأزمته الخاصة، التي تشتته عن الخطر العام، ونجد الشرطي إيدي ثورن، الذي يمثل الضلع الثالث بعلاقته العاطفية مع إيريس، يرسم النهاية ويجد طريق الخلاص من خلال انتحاره، الذي يخلص العالم من الشر الكامن في المستقبل، لكونه الجد الأكبر لـ"فلاش المعاكس"؛ فينتهي الجزء الأول من المسلسل بدراما فائقة، تجد الحل بالعدم، وتحكم على البطل الحقيقي بالفناء لإيجاد الخلاص.

المساهمون