فيلم "122"... تقليد كسول ومتاهة في التفاصيل

فيلم "122"... تقليد كسول ومتاهة في التفاصيل

12 يناير 2019
شارك أحمد الفيشاوي في بطولة الفيلم (فرانس برس)
+ الخط -
قدر كبير من الدعاية حظي به فيلم "122" طوال الشهور الماضية، ما جعل عرضه السينمائي مع مطلع العام مرتقباً بشدة. الجانب الأكبر من الدعاية ارتكز على أن الفيلم مختلف عن أي عمل مصري آخر؛ فهو "أول فيلم بتقنية الـ4D" وأن منفذي المعارك والخدع هم خبراء سبق لهم العمل في هوليوود، وأنه فيلم "رعب" بأسلوب وتقنيات غير مسبوقة ويمكن مقارنته بالأعمال العالمية الشبيهة.

تلك الدعاية أدت فعلاً إلى تحقيق الفيلم إيرادات جيدة خلال أيام عرضه الأولى. ولكنها لم تكن في صفه تماماً على المستوى الفني والطريقة التي استقبله بها الجمهور، فرغم كل محاولات تحسين القشرة الخارجية والإيحاء بتنفيذٍ جيد وشكل مختلف إلا أن جوهر العمل نفسه جاء ضعيفاً وهشاً، ويعاني من عدم المنطقية في كل لحظة.

يبدأ الفيلم بشخصيتي نصر وأمنية اللذين يتعرضان لحادثة خطيرة وينقلان على أثرها إلى أقرب مستشفى في المنطقة، وبعد استيقاظ أمنية تكتشف اختفاء نصر تماماً وأن سجلات المستشفى لم يرد فيها اسمه، تشعر بأن في الأمر سراً غامضاً، وتبدأ في البحث عن خطيبها، في الوقت الذي يستيقظ فيه من غيبوبة ويحاول الهروب من الموقف الخطير الذي يجد نفسه فيه.



أحد أبرز أسباب ضعف الفيلم هو عدم استقرار صناعه بشكل حقيقي على "نوع العمل" الذي يقدمونه، فلكل "نوع سينمائي"، خصوصاً إن كنت ترغب في محاكاة النموذج الهوليوودي منه، قواعد وأصول وأجواء محددة، ولكن ما يحدث في "122" هو التنقل بين أنواع مختلفة بهدفٍ وحيد وهو اجتذاب الجمهور؛ فتارة يتم تصدير الرعب والاعتماد على مؤثرات وJump Scares، وتارة أخرى هو فيلم حركة بمطاردات وصدامات متواضعة التنفيذ، أحياناً فيلم غموض ويحاول توليد الكثير من الأسئلة، قبل أن يتحول إلى فيلم إثارة عن البطل الذي يحاول الخروج من الموقف المتأزم.

هذا التشتت في "النوع" جعل صناعه لا يدركون حتى أي قصة يريدون سردها؟ وما هو المنظور الذي ستسرد منه الحكاية؟ ونتيجة لذلك هناك مشاكل أكبر تتولد في سيناريو الكاتب صلاح الجهيني كلما تقدمنا للأمام، في صلب ومنطق العمل والأحداث، وفي تأسيس الشخصيات (خصوصاً على الجانب الشرير) وعلاقتها ببعضها والطبيعة الكرتونية التي يظهرون بها، والتي ربما تكون مقبولة لو أخذ الفيلم منظور بطله "نصر" منذ البداية، ولكن التنقل والتشتت بين كل الخطوط والأنواع جعل السيناريو مهترئاً لأبعد درجة.



الأسوأ من ذلك هو هوس "المحاكاة الهوليوودية" لصناع الفيلم الذي يجعلك تشعر أنك سبق أن رأيت تلك المشاهد بحذافيرها من قبل، من دون بذل مجهود حقيقي لمراعاة اختلاف طبيعة المكان (بين مصر وأميركا) في خلق أجواء الفيلم وثقافة أبطاله و"تمصير" ما يحدث بشكل أذكى قليلاً، فشكل المستشفى وأنوارها الخافتة وغرفها الخالية من المرضى أو الأطباء، وكذلك كونها مكاناً يمارس فيها نشاط سهل الكشف ويحتاج إلى مجهود ضخم للتغطية عليه مثل تجارة الأعضاء البشرية.

هي أمور تحتاج إلى الكثير من الجهد في جعلها منطقية، وإقناع المشاهد بأنها تحدث في المكان الذي يعيش فيه وليست مجرد استيراد تقني من الأفلام الأجنبية التي يشاهدها على التلفاز، لأنك لو فشلت كصانع عمل في خلق "أجواء مصرية" للقصة المعتادة والمستهلكة في عشرات الأفلام.. فما هي نقطة تميزك؟ وما الذي سيجعل المتفرج يتقبل الفيلم أثناء مشاهدته أو يتذكره بعد الخروج منه؟

 صناع الفيلم لم يحاولوا، ولو مجرد المحاولة، التعامل مع تلك الأسئلة، اكتفوا بـ"الشكل" والتقنيات، الضعيفة أيضاً مقارنة بأي فيلم أجنبي، واعتقدوا أنها يمكن أن تحمل الفيلم وحدها، حتى لو كانت بأثر محدود جداً مثل تقنية الـ4D، لتكون النتيجة هي فوضى وتواضع في كل العناصر، من السيناريو والإخراج والموسيقى، وصولاً حتى لأداء الممثلين المشهود لهم بالكفاءة مثل طارق لطفي وأحمد داوود وأحمد الفيشاوي الذين عانوا بسبب كاريكاتيرية شخصياتهم وعدم وجود أي أبعاد أخرى لها، ومن بعض التفاصيل التقنية التي تخص تعرضهم لحوادث مميتة يكملون بعدها الفيلم دون أي أثر ظاهر، مما نتج عنه ضحك الجمهور في فيلم يفترض فيه التوتر والخوف.

دلالات

المساهمون