"روما" المكسيكي يفوز بـ"الأسد الذهبي" لمهرجان فينيسيا السينمائي

"روما" المكسيكي يفوز بـ"الأسد الذهبي" لمهرجان فينيسيا السينمائي... وجائزة للسورية سؤدد كعدان

09 سبتمبر 2018
السورية سؤدد كعدان مع جائزة "لويجي دي لورينتس" (Getty)
+ الخط -
اختتمت الدورة الخامسة والسبعون لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، الذي انعقدت فعالياته بين 29 أغسطس/آب و8 سبتمبر/أيلول 2018، وكانت دورة هذا العام استثنائية من حيث اختيارات الأفلام في مُختلف الأقسام، وتحديدًا في المسابقة الرئيسية التي كانت المنافسة فيها على أشدها بين أسماء ذات وزن في تاريخ السينما، سواء من الشباب أو المُخضرمين. 

ووجدت لجنة التحكيم هذا العام برئاسة المخرج المكسيكي غييرمو دل تورو (الأسد الذهبي العام الماضي عن فيلمه "شكل الماء") صعوبة بالغة في الاختيار بين أكثر من فيلم يستحق الفوز بجائزة "الأسد الذهبي". لكن في النهاية ذهبت جائزة الأسد الذهبي لفيلم "روما" للمكسيكي ألفونسو كوارون.

ومنذ أول أيام المهرجان، وحتى قبل عرض بقية الأفلام وانتظار ما سيقدِّمه الكبار، أجمع الكل على فرادة "روما" وأبدى العديدون خشيتهم من استشعار غييرومو دل تورو الحرج كرئيس لجنة تحكيم مكسيكي وفائز في العام الماضي بأسد المهرجان الذهبي أن يمنح الجائزة لفيلم ومخرج مكسيكيين.

في النهاية، انحاز دل تورو ولجنته لما هو فني، بغض النظر عن أية حسابات. ولذا كان من سعادة الجميع فوز "روما" بجائزة "الأسد الذهبي" للمهرجان هذا العام.

في "روما" يمزج كوارون بين الخاص والعام الماضي والحاضر، السياسي والاجتماعي، في خلطة شديدة البراعة ولافتة فعلا. أيضًا، على مستوى الشكل والبناء، مزج المُخرج التسجيلي بالروائي، وآثر أن يكون فيلمه بالأبيض والأسود لتحقيق التأثير المطلوب. الأمر الذي جعل لجنة التحكيم والنقاد والجمهور يجمعون على أهميته وجمالياته وخصوصيته.


المكسيكي ألفونسو كوارون مع جائزة الأسد الذهبي (Getty)


وقبل الدخول في تفاصيل الجوائز الأخرى، لا بد من الإشارة إلى أنه قبل منح جوائز المسابقة الرسمية أعلنت جوائز المسابقة الرئيسية الثانية في المهرجان، التي تحمل اسم "آفاق" أو "أوروزونتي". وفاز فيها فيلم "يوم أضعت ظلي" (شاركت في إنتاجه مؤسسة الدوحة للأفلام، وأكروباتس، وميتافورا - فضاءات ميديا) للمُخرجة السورية سؤدد كعدان بجائزة "لويجي دي لورينتس". في حين فاز المُمثل الفلسطيني قيس ناشف بجائزة "أفضل مُمثل" في المسابقة نفسها، وذلك عن دور "سلام" في فيلم "تل أبيب ع نار" للمُخرج سامح الزعبي.

وبالعودة إلى المسابقة الرسمية، جاءت جوائز لجنة التحكيم مُوفقة للغاية في ظل تنوع وقوة أفلام المُسابقة. وإن كان قرارها بمنح الفيلم الأسترالي "العندليب" للمُخرجة والمُمثلة جينيفر كنت جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" فيه الكثير من المُجاملة للمُخرجة دون شك. الفيلم وبإجماع النقاد، وكل التقييمات الصحافية اليومية، سواء من جانب الصحافة الإيطالية أو العالمية، كان من أضعف وأسوأ أفلام المُسابقة من كافة الجوانب، لدرجة أثار السخرية في القاعة عند عرضه الصحافي الأول، في سابقة نادرًا جدًا ما حدثت في المهرجان خلال السنوات السابقة.

الأمر ينطبق أيضًا على منح المُمثل الأسترالي بايكالي جانامبار جائزة "مارشيلو ماستروياني" لأفضل مُمثل صاعد عن دوره في ذات الفيلم. اجتهد بايكالي في تقديم شخصية الأسترالي "بيلي"، الذي احتل وسلب وقتل الرجل الأبيض أرضه، ثم طرد وشرد أهله ومحى تاريخهم. الأمر مرده أساسًا لدور الشخصية تاريخيًا وسياسيًا وليس لأداء خارق من جانب بايكالي. كثيرون كانوا أحق بالجائزة منه، مثلا، المُمثلة الألمانية الصاعدة "باولا بيير" (23 عامًا)، وذلك عن دورها الرائع في الفيلم الألماني "عمل بلا مؤلف" لفلوريان هنكل فون دونسماك.




واستطاع الأميركي وليام دفو بأدائه العبقري لشخصية الرسام "فينسنت فان جوخ" الفوز بجائزة أحسن مُمثل عن دوره في فيلم "عند بوابة الأبدية" للمُخرج والتشكيلي الأميركي جوليان شنابل. جسّد وليام دفو باقتدار وإقناع بالغين شخصية فينسنت فان جوخ في أواخر أيامه التي قضاها في "آرل"، وحتى وفاته.

ورغم فارق السن بين وليام دفو (63 عامًا) وفان جوخ عند وفاته في سن (37 عامًا)، لكن التقمص الرائع من جانب دفو لشخصية فان جوخ لم يجعل المرء يشك للحظة بأن من على الشاشة ليس فان جوخ بكل عنفوانه واضطرابه العقلي في سنواته الأخيرة. وأيضًا، موهبته المُتدفقة على نحو جنوني ومشاعره الفياضة تجاه من حوله.

عن دورها ومجهودها اللافت في تجسيد دور الملكة "آن"، في فيلم "المُفضَّلة" لليوناني يورجوس لانتيموس، فازت المُمثلة البريطانية "أوليفيا كولمان" بجائزة أفضل مُمثلة. أوليفيا كولمان القادمة من عالم المُسلسلات التليفزيونية، استطاعت التفوق على نجمتين بحجم راشيل ويز وإيما ستون، رغم قوة دور النجمتين وتألقهما. الأمر ليس مرده فحسب لقدرات أوليفيا كولمان كمُمثلة بارعة، بل أيضًا للدور الذي جسَّدَته، فهو شديد العمق والتعقيد، ما أتاح لها إبراز قدراتها التمثيلية.

نظرًا للبصمة المُميزة وغير المسبوقة، دون مبالغة، التي أدخلها الأخوان جويل وإيثان كوِن على نوعية أفلام الويسترن الأميركي، استحق فيلمهما "أنشودة باستر سكراجز" جائزة أفضل سيناريو. قطعًا ينتمي الفيلم لنوعية أفلام الويسترن الأميركية المُعتادة، لكن التناول البنائي المُغاير والمفارق الذي قدم به جويل وإثان كوِن فيلمهما يستحق بالفعل التوقف عنده طويلا. في النهاية، برغم التجديد البنائي الملموس، نحن أمام فيلم به كل مُقومات الويسترن المُعتادة، وفي ذات الوقت يتسم بالتسلية والضحك، ولا تخلو قصصه القصيرة المُنفصلة من عمق ملحوظ.

في نقلة نوعية تُحسب له دون شك، استحق عنها جائزة أحسن إخراج، قدَّمَ الفرنسي جاك أوديار أول أفلامه الناطقة بالإنكليزية، "الأخوان سيسترز". النقلة ليست نابعة فحسب من كونه الفيلم الأول للمخرج الناطق بالإنكليزية، بل أيضًا جرأته في اقتحام نوعية أفلام الويسترن، وبراعته في تقديم فيلم لن يُحسب فقط ضمن رصيده السينمائي المُتميز، بل أيضًا سيظل طويلا في ذاكرة مُحبي أفلام الويسترن. وليس ثمة مبالغة في أن الفيلم لا يقل فنية وقوة وعمق وأداء أيضًا عن غيره من التحف السينمائية الخالدة في تاريخ أفلام الويسترن عامة.

جائزة ثانية، بخلاف أفضل ممثلة، "لجنة التحكيم الكبرى"، اقتنصها فيلم "المُفَضَّلة" ليورجوس لانتيموس. الجائزة، التي تُعتبر الثانية من حيث القيمة بعد "الأسد الذهبي"، قطعًا نافسه عليها فيلما "الغروب" للمجري لازلو نِمش و"بيترلوو" للبريطاني مايك لي. برأينا، ما دفع لجنة التحكيم لحسم الأمر لصالح "المُفَضَّلة" هو تلك البصمة الجديدة التي أدخلها لانتيموس على نوعية الأفلام التاريخية. نستطيع القول إن لانتيموس، الذي كانت هناك توجسات وشكوك بخصوص إقدامه على إخراج فيلم من تلك النوعية المُغايرة تمامًا لأسلوب عمله وتفكيره، أخرج فيلمًا تاريخيًا بالغ الاتساق مع رؤيته العميقة المعهودة، ونجح لأبعد حد في تطويع الفيلم التاريخي لرؤيته الخاصة، وعدم الانسياق لقيود وقواعد تلك النوعية من الأفلام.

ومع إعلان نتائج هذه الدورة يكون مهرجان فينيسيا السينمائي، الذي احتفل بيوبيله الماسي هذا العام، قد اختتم فعالياته على أفضل وجه، بإعلان عادل ومُنصِف إلى أقصى حد لجوائزه، في دورة سيتذكرها الكثير لقوة منافساتها وتنوع وثراء ما قُدِّمَ فيها.

دلالات

المساهمون