"احكيلي عن بلدي"... استغلال شعبية أطفال "ذا فويس كيدز"

"احكيلي عن بلدي"... استغلال شعبية أطفال "ذا فويس كيدز"

17 سبتمبر 2018
يقوم النظام السوري بشحذ العواطف من خلال الأطفال (Getty)
+ الخط -
استثمر النظام السوري خروج الأطفال السوريين في المراحل الأولى من برنامج "ذا فويس كيدز" في موسمه الثاني الذي يعرض على قناة "إم بي سي"، لإشراك هؤلاء الأطفال في لعبته السياسية والتسويق عبر وسائل إعلامه الرسمية، بأن خروج الأطفال من البرنامج كان بسبب سياسات الدول العربية "المتآمرة" على النظام السوري. فحرص الإعلام السوري على التسويق لكون خروج الأطفال من البرنامج لم يكن بسبب قواعد البرنامج، واحتمالية الربح والخسارة، وإنما خروجهم كان جزءاً من "المؤامرة الكونية ضد سورية"، واتهم البرنامج بأنه مسيّس، وأن إقصاء الأطفال السوريين كان متعمداً!

واخترع النظام السوري شعار دعم هؤلاء الأطفال وتنمية موهبتهم، والرد على ظلم تلك البرامج لهم، كما يدّعي. وقام باستغلال شعبية هؤلاء الأطفال وتعاطف الجمهور معهم لتقديم أوبريت غنائي مبتذل، وهو أوبريت "احكيلي عن بلدي" الذي تمّ تقديمه في "دار الأسد للثقافة والفنون" في العاصمة السورية دمشق، إذْ كان هدفه الوحيد هو التطبيل والتزمير لانتصارات النظام السوري العسكرية.

والأوبريت من إخراج عروة العربي، وشارك في بطولته بعض الأطفال المشتركين سابقاً بـ"ذا فويس كيدز"، وهم: جيسيكا غربي، نينار دلا، تاج قسام، زين عمار، كمي غرز الدين، طه محسن، تيم الحلبي، زياد أمونة، يمان قصار وأبي الفارس، بالإضافة إلى فرقة "آرام" للرقص المسرحي، والإعلامية مزنة الأطرش والمغنية سارة درويش. وقام بتأليف الأوبريت محمود عبد الكريم، وتولى مهمة التأليف الموسيقي طاهر مامللي.



ولا يمتّ العرض للأوبريت بصلة، سواء على مستوى الأداء أو الحكاية أو السينوغراف والشكل البصري، وإنما كان عرضاً مبتذلاً ورديئاً على جميع المستويات؛ فالبداية كانت من خلال تحية الأطفال للجنود على الحدود، ومن ثم مخاطبة بين ماضي سورية الذي تمثله سارة درويش من خلال إلقاء كليشهات مكررة عن سورية، وتحميل الأطفال المسؤولية بإعادة إعمار ما تم تدميره. ومن ثم، قام الأطفال بمناشدة الإرهابيين بالخروج من بلادهم، والتخلي عن كذبة الحرية، على حسب تعبيرهم. وصاروا يناشدون الأمم "المتآمرة على سورية" بمنحها السلام. ويتم أداء الأغاني على أنغام الروك الصاخب بأداء هزيل من الأطفال، وعدم تناغم وتنسيق، إن على مستوى الكلمة أو اللحن.

يتخلل العرض فيلمٌ قصيرٌ بمنتهى الرداءة، يتضمن مشاهد لرجل يرقص وسط الأبنية المهدمة جراء القصف في داريا فيصاب بقذيفة. ولتصوير هذا المشهد، تم استخدام مؤثرات بصرية بدائية ودون مستوى المقبول حتى، لتخرج الطفلة جيسيكا غربي من خلف الركام، وتبكي على جثتها، وتقول: "هكذا استهدفت أحلامنا"، ومن ثم يتم أداء العديد من الأغاني برفقة سارة درويش، موجهة التحية إلى الشهداء والعساكر.

ويحمل العرض رسائل لا تنحصر بالانتصارات وحسب. وإنما يقوم النظام السوري بشحذ العواطف من خلال الأطفال، فيوجه الأطفال بعض الأغاني للاجئين السوريين، ويدعونهم للعودة إلى حضن الوطن والمساهمة في إعادة إعماره. وفي القسم الأخير من العرض، يقف الأطفال بطريقة عسكرية، ويصطف خلفهم عشرات الراقصين بلباسهم العسكري، ويلقون قصيدة محمود درويش "أيها المارون بين الكلمات العابرة"، ويختتم العرض بأغنية تدعو لأسماء الأسد بالشفاء من مرض السرطان، بالتزامن مع عرض لصور على شاشة الإسقاط، تبرز أفضالها على كل فئات الشعب السوري.

هذا العرض الذي تصعب مناقشته فنياً، هو أحد أسوأ العروض التي قدمت في سورية أخيراً من الناحية الإنسانية، فهو يبين أن النظام السوري لا يكتفي باستثمار الجسد السوري بشكل يومي لمصالحه، وإنما يقوم بعسكرة الطفل السوري وأدلجته ضمن مفاهيم المؤامرة والوطنية، واستغلال الطفولة لأغراض سياسية بحتة، وتلميع صورته من خلال دعم المواهب والاهتمام بالطفولة. ويتزامن هذا العرض مع نشر صور لأطفال قضوا نحبهم، جراء قصف النظام المدنين في إدلب على مواقع التواصل الاجتماعي.

المساهمون