محمد عبد الكريم... من "زاد في الطنبور نغماً"

محمد عبد الكريم... من "زاد في الطنبور نغماً"

06 اغسطس 2018
مشهد من مدينة حمص (WIN-Initiative)
+ الخط -
في يوم من أيام عام 1911، وفي حيّ الخضر، أحد الأحياء القديمة في مدينة حمص، وُلِدَ محمّد عبد الكريم، لأسرة غجرية، من أمّ تتمتع بصوت جميل اسمها عماشة، وأب يُدعَى علي المرعي، يعزف لها على البزق عندما تغني. هكذا كانت عادة الغجر منذ قديم الزمان، فهم يتكسبون عيشهم من الغناء والعزف على الآلات الموسيقية. فتح الطفل عينيه على الفن، ونمت ذائقته الموسيقية، وهو يسمع أنغاماً، ويرى بين يدي أبيه وأخويه. وكان أوّل شيء عمله، عندما وعى قليلاً، أنَّه جلب قطعة خشب، وثبّت عليها مسمارين وشدّ وتراً، وراح يعزف عليها، مقلّداً الذين حوله، ورآه الوالد فجاء إليه، وظن أنه سيؤنبه، لكن الوالد تفحص قطعة الخشب وابتسم، ثم جاء بالبزق ووضعه في حجر الصبي، الذي أخذه وراح يدندن عليه. أصيب محمّد عبد الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره إصابة بليغة في ظهره، إثر حادث تصادم، وسبب له عاهة دائمة، تسببت بحدبة في ظهره، وتوقف نمو جذعه. أدخل محمّد عبد الكريم إلى الكلية الإنجيلية في حيّ باب السباع ليتعلم. فمكث فيها فترة ثم تركها إلى البزق الذي أتقن العزف عليه، وانضم إلى الفرقة الصغيرة. واشتهرت الفرقة في حمص، فصارت تحيي الأفراح والأعراس، وطاب السهر في ليالي الميماس على الصوت الصافي واللحن المجنون. وصار محمّد يطلب إليه العزف منفرداً، وكان صوته قريباً من صوت أمّ كلثوم. 

انطلقت الفرقة إلى المدن السورية تعزف وتغني وترقص في جميع الحفلات. وقد تجلّت براعة محمّد في قدرته الفائقة على عزف أية مقطوعة موسيقية في أقل وقت ممكن. ولم تكن مهارته مقتصرة على آلة البزق، وإنما على العود الكبير والعود الصغير، وجميع الآلات الوترية التي تعتمد على الريشة في العزف. وفي فترة الشباب، تعرّف إلى نادي "دوحة الميماس" الموسيقي، فانتسب إليه وصار عضواً بين عازفيه، ثم سافر إلى بيروت برفقة عازف الكمان الشهير، سامي الشوا. وهناك التقى بأشهر الفنانين والعازفين الذين أعجبوا بأدائه، وأثنوا عليه، ثم زار مدينة دمشق، وتعرف فيها إلى الشاعر، فخري البارودي، الذي سُحر بأدائه وقدّمه على أنّه أعجوبة عصره.

لم يكن محمّد عبد الكريم عازفاً بارعاً على البزق فحسب، بل كان يحسّ بأن هذه الآلة تملك إمكانات غير محدودة وبحاجة إلى تطوير دائم. لذلك عمل على زيادة عدد الأربطة التي تُلف على الزند، فعدّل فيها وطورها لتلبي احتياجاته وعطشه إلى أنغام تستطيع أن تعبّر عن إمكانات غير محدودة لتواكب الآلات الموسيقية الأخرى أثناء العزف، ويعود الفضل إليه في أنّه أوّل من أدخل " التانغو" و "السيراناد" على البزق، وأضاف إليه أوتاراً جديدة، لذلك كان يقال فيه "وزاد في الطنبور نغماً".



عام 1934 زار حلب، والتقى فيها الناس الذين يحبون الطرب. وزار مصر وسجّل أسطوانات على البزق في شركة "أوديون"، كما سجّل بصوته عدداً من الأغاني، منها "أفديه إن حفظ الهوى". وقد عزف في دار الأوبرا بأصابع قدميه على أوتار البزق، وصفق له الجمهور كثيراً. وقد منحه الملك فيصل لقب "أمير البزق" في إحدى زيارته إلى بغداد وبعد أن سمع عزفه وأعجب به.

سافر بعدها إلى القدس ليعمل في إذاعة الشرق الأدنى، ثم إلى إنكلترا، حيث سجّل للإذاعة كثيراً من المقطوعات والارتجالات الموسيقية بما فيها شعار المحطة التي كانت تقدّمه قبل الافتتاح. ثم عاد إلى القدس ليترأس الفرقة الموسيقية في الإذاعة. وعندما افتتحت إذاعة دمشق، عاد إلى بلده، واستقر فيها، وعمل في إذاعتها عازفاً وملحناً طوال حياته، وقد أغنى مكتبتها بكثير من الألحان والأغاني الشرقية الأصيلة الخالدة.

كان محمد عبد الكريم من أوائل من شاركوا في احتفالات الجلاء في سورية، وعند افتتاح إذاعة دمشق الوطنية وضع شارتها الموسيقية وعمل ضمن فرقتها الموسيقية، وتابع إبداعاته الموسيقية في مجال التلحين والتأليف الموسيقي.

دلالات

المساهمون