شارات المسلسلات السورية: تطور تدريجي وتاريخ مُهمَل

شارات المسلسلات السورية: تطور تدريجي وتاريخ مُهمَل

05 اغسطس 2018
الممثل السوري ياسر العظمة، بطل مسلسل "مرايا" المعروف (فيسبوك)
+ الخط -
كانت تمثيلية "الغريب" هي أول عمل درامي عُرض على شاشة التلفزيون عام 1960. وبسبب بدائية العمليات التقنية وضعفها آنذاك، فإن التمثيلية التي جسدت في استوديو وتناولت أحداث الثورة الجزائرية وأمجادها، نُقلت على الهواء مباشرةً، ولم تُحفظ نسخة فيديو منها؛ ويوحي ظرف العرض أن التمثيلية لم تكن لها شارة بداية. وفي نهاية الستينيات، بدأ صناع الدراما السورية بوضع شارة بداية لأعمالهم، وكانت شارة البداية حينها مدمجة في المشهد الأول من كل حلقة؛ ففي مسلسل "صح النوم" (1968)، كان يبدأ المسلسل بمشهد صامت يصور أفعالا بسيطة يقوم بها الممثلون في حمام السوق، وترافق المشهد موسيقى تصويرية، ويكتب على الشاشة اسم المسلسل واسم مخرجه، فيصل الياسري، ولا تكتب أسماء باقي المشاركين إلا في بداية الحلقة الأولى. 
وفي السبعينيات، بدأ مخرجو الأعمال السورية يهتمون بشارة البداية بشكل أكبر، كما بدوا مهتمين بإدراج مقدمة للمسلسل. وكان أول مسلسل سوري رددت بشارته أغنية هو مسلسل "حارة القصر" (1970). وتأتي الأغنية بعد مقدمة قصيرة تُلقى بها أبيات من الشعر. ولكن شارات بعض المسلسلات في السبعينيات كانت أكثر غرابة، مثل شارة مسلسل "أسعد الوراق" (1975) الذي تبدأ شارته بصورة ثابتة لبطل المسلسل، هاني الروماني، وترافق الصورة صيحات جماعية تنطق باسم الشخصية، قبل أن يظهر على الشاشة شاهد مجهول، يقول: "الله يرحمه أسعد الوراق، بيقولوا كان ولي"، ومن ثم تعود صورة الروماني إلى الشاشة، تقطعها لقطات كتبت عليها أسماء صناع العمل، من دون ذكر أسماء الممثلين، وترافقها إيقاعات بدائية وتنهيدات! وكذلك، فإن بعض صناع الدراما السورية في السبعينيات أقحموا مشاهد تمثيلية في شارات مسلسلاتهم، كما يحدث في مسلسل "فوزية" (1977).

وفي الثمانينيات، أصبح لشارة البداية قالب واضح، حيث حُددت مدتها الزمنية بدقيقتين، وذلك لتتسع بها أسماء نجوم العمل وصُناعه، بالإضافة إلى بعض الإعلانات للشركات المساهمة في الإنتاج، فتخلصت شارات المسلسلات حينها من المقاطع التمثيلية والأشعار وأصبحت أكثر بساطة، وتعتمد في الغالب على صور أو مقاطع فيديو تم اقتطاعها من مشاهد المسلسل وتركيبها عن طريق المونتاج. ففي الجزء الأول من مسلسل "مرايا" (1986)، كانت شارة البداية تتكون من صور ثابتة اقتُطعت من مشاهد العمل، وترافقها موسيقى تصويرية، وكانت شارة "مرايا" من أولى الشارات السورية التي تقرن صورة الممثل باسمه في الشارة، وأُدرج في الشارة إعلان لمتجر مفروشات في الأردن.


وفي التسعينيات، لم يختلف شكل الشارة كثيراً عما كانت عليه في الثمانينيات، فالمونتاج وتداخل لقطات المسلسل، هو القوام الرئيسي لتلك الشارات؛ لكن هناك البعض ممن اجتهدوا ليقحموا بعض التقنيات على الشارة، فوضعت المشاهد ضمن إطار في شارة مسلسل "البناية 22" (1990)، وكذلك الحال في مسلسل "عائلة 5 نجوم" (1995)، الذي استُخدمت فيه أيضاً تقنيات ترجيع الفيديو والتلاعب بالإطار. وفي نفس المرحلة، ازداد الاهتمام بأغاني شارات المسلسلات، وباتت تُسجل في استوديوهات متخصصة بالأغاني، مثل أغنية "يار روح لا تحزني" لطارق الناصر، التي ساهمت في شعبية مسلسل "نهاية رجل شجاع" (1993).



وفي التسعينيات أيضاً، بدأت تُطلق الألقاب على بعض الفنانين السوريين، وترتبط باسمهم في الشارة، مثل: "الفنان القدير"، "فنان الشعب"، "ربيع الشاشة"، "الطفل المعجزة" وغير ذلك، ولاتزال هذه الظاهرة مستمرة حتى اليوم. كما أن شكل الشارة لم يختلف منذ ذلك الحين اختلافات جوهرية. ومن الممكن أن نرصد بعض الملامح الرئيسية لشارات المسلسلات السورية في الأعوام الخمسة والعشرين الأخيرة. تتكون الشارة غالباً من لقطات سريعة وغير مترابطة، لا تشكل سياقا بجمعها، لتبقى العشوائية هي السمة الأبرز بشارات المسلسلات السورية.

وتركز الشارات على مشاهد العنف و"الأكشن"، فتكثر في الشارات مشاهد الاقتتال والسقوط ونزف الدماء والمداهمات، مما يعطي صورة مغلوطة عن المسلسلات، فقد يبدو المسلسل من خلال شارته وكأنه مسلسل "أكشن"، ولكن ستفاجأ بأن المسلسل أبعد ما يكون عن "الأكشن"، كما هو الحال في مسلسل "كسر الخواطر" (2006)، الذي جُمعت كل لقطات السقوط والضرب الموجودة فيه في شارته. وتنقسم الشارة غالباً إلى قسمين، القسم الأول يعتمد على اللقطات القريبة لأبطال العمل لترافق أسماءهم. أما القسم الثاني، فتكثر فيه اللقطات العامة التي تضم كماً كبيراً من الحشود، وترافق هذه اللقطات أسماء الفريق الفني المشارك في العمل. وفي المسلسلات التاريخية يتم التركيز بشكل أكبر على لقطات الحشود، كما حدث في شارة مسلسل "الزير سالم" (2000)، وإن كان المسلسل يحتوي على مشهد تعزف فيه الموسيقى، فإن هذه اللقطة ستستثمر بلا شك في الشارة، لتطابق اللحظة بين الصوت والصورة، كما يحدث في مسلسل "الفصول الأربعة" بجزأيه (1999- 2002).


وعلى الرغم من أن شارة المسلسل جزء لا يتجزأ منه، إلا أن القنوات السورية اليوم تقوم باختصار جزء كبير من شارات المسلسلات القديمة التي تعرضها، وهو الأمر الذي أحدث بلبلة في الوسط الفني السوري، في الأيام الأخيرة، حيث انتقد أيمن زيدان مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لإهمالها حق الفنانين السوريين المعنوي في كتابة أسمائهم على شارات الأعمال التي شاركوا فيها، فلفقت له إدارة الإذاعة والتلفزيون تهمة المؤامرة، بسبب إثارته هذه القضية في هذا الوقت بالتحديد عبر السوشيال ميديا.

دلالات

المساهمون