"السيرك الأوسط"... إهمال الاستبداد ولوم المواطن

"السيرك الأوسط"... إهمال الاستبداد ولوم المواطن

11 اغسطس 2018
مشهد من العرض (فيسبوك)
+ الخط -
بعد إغلاقٍ دام قرابة العشر سنوات، يعود مسرح "راميتا" في دمشق للافتتاح، مع عرض "السيرك الأوسط"، للمخرج، غزوان قهوجي، مع فرقة "أسرة الفنانين المتحدين – فضا"، ليعيد العرض إحياء المسرح الكوميدي السياسي، مستعيناً بالكاتب الراحل محمد الماغوط.

في مؤتمرٍ صحافيّ جرى أثناء عروض مسرحية "السيرك الأوسط"، قال غزوان قهوجي، إنه يجد من الضرورة إعادة إحياء المسرح السياسي الساخر في سورية. وأكد الحاجة لوجود أكاديميين محترفين للمسرح للعمل في هذا النوع الخطير جداً من العروض التي من دون أدنى شكّ ستلعبُ دوراً مهماً بالتأثير في عواطف الجمهور.

لم يجد قهوجي صعوبةً بإعادة توليف نصوص الماغوط لتلائم المسرح المعاصر. بإعادته توليفها بكل سهولة، يؤسس قهوجي لرسم هوية خاصة بالمسرح السوريّ. وهذا ما صرح به في عدّة مقابلات صحافية. 

لكن باستحضاره للماغوط، جعل شكسبير حبيساً في "باب الحارة"، وجعل من "صقر قريش" حيواناً يباع ويشترى، ويُربط بسلاسل وجنازير. وجعل من حرفة المسرح حرفة قائمة على التهريج الفارغ، المستوحى أغلبه من مواقع التواصل الاجتماعي.



فطوال مدة العرض التي بلغت ساعتين ونصف الساعة، تتكرر نكات ودعابات وأغان لا تكاد تشبه سوى صفحات "فيسبوك" السورية الساخرة مثل "الأوفر دوز" وغيرها من الصفحات الهزليّة. العرض مقتبس من نص "المهرج"، ونصوص ومقالات من كتاب "سأخون وطني"، وديوان "سياف الزهور" للماغوط.

تختلف المصادر الثلاثة التي بني على أساسها العرض في بعض الطروحات. فمسرحية "المهرج" تعيد طرح الماضي العربي، وتجعل المتفرج يحاكم حال العرب في الحاضر. فهي مسرحية تعيد إحياء رموز من التاريخ العربي، وتجعل من الواقع العربي سبباً لتهميش هذه الرموز بسبب الفساد المتفشي. هي مسرحية كوميدية ساخرة تنقد إشكاليات المجتمعات العربية المعاصرة، وإشكاليات الحكومات العربية.

بينما كتاب "سأخون وطني" يتحدث عن وضع المواطن العربي عموماً والسوري بشكل خاص. المواطن المقموع تحت سلطة استبداد الأنظمة الحاكمة، ودورها الرئيسي في وضع البلاد العربية، وخصوصاً دورها في القضية الفلسطينية. فالكتاب تمت كتابته بعد أحداث الثمانينيات في سورية، بعد توضح معالم آلية قمع النظام السوري للمواطن.

يختص الماغوط ضمن مسرحياته وكتاباته بالإنسان المهمش، والمواطن البسيط وإشكالياته، بينما عرض "السيرك الأوسط" الذي عالج الماغوط اليوم في سورية، يختص في إلقاء اللوم على المواطن بشكل كوميدي.

وليس غريباً عن الكوميديا السورية المعاصرة هذا التوجه. ففي العديد من الأعمال الكوميدية المقبولة سورية والموافقة لشروط النظام السوري، تبتعد الكوميديا عن مضمونها الأساسي في الإضاءة على إشكاليات المواطن البسيط. وترجع سبب أي إشكال يواجه المواطن السوري لخلل في شخصه، أو سوء في تصرفاته وتفكيره. وهذا ما يمكن تلمسه عند مشاهدة مسلسل "بقعة ضوء"، فاللوحات الكوميدية تراجعت في الأجزاء الثمانية الأخيرة. لتقتصر الكوميديا على كوميديا موقف ناتج عن خلل في الشخص، بينما كانت سابقاً وخصوصاً في أجزائها الأولى، مساحة ناقدة تستطيع مسّ جسد السلطة، وتسليط الضوء على جوهر مشاكل الإنسان السوري وهي القمع والاستبداد.



يتحدث العرض عن فرقة مسرحية جوالة، ضاق بها الحال، وأصبحت تقدم عروضها أمام مقهى. تلعب الفرقة المسرحية المفترضة في العرض مسرحية عطيل لشكسبير فيعترض الجمهور السوري. فتقوم الفرقة بتحوير شكسبير ليصبح أشبه بمسلسلات البيئة الشامية الرديئة، فنرى "ديزدمونة" أصبحت فوزية وباتت تغني: "يا قضامة مغبرة…". وأضحى "عطيل" أبي در، ليتنقل الاثنان قافزين بين اللهجات المصرية والشامية، مستخدمين أكثر مصطلحات وعبارات اللهجتين تداولاً، مطلقين النكات والدعابات السياسية عن الرأسمالية و"حكام الغرب الكافر" والماسونية وإسرائيل، ومتنقلين بين الأغاني الرائجة والإيحاءات الجنسية، لخلق إضحاكٍ لدى المتلقي.

وبعد عدة أغان ساخرة، إما من التراث العربي أو التراث الشعبي أو أغان رائجة، تستحضر الفرقة "صقر قريش" عبدالرحمن الداخل. إذ يسافر أحد الممثلين إلى العصر الأموي، متنقلاً بالزمن، ويعود جالباً معه صقر قريش بالزي الدمشقي ليرى أحوال العرب كيف آلت، وما هي إنجازاتهم.

وللإيحاء باختلاف الأزمنة، تتنوع الأغاني، من أغنية "لما بدا يتثنى" إلى أغنية "قاعد لوحدك" والتي تتزامن مع ظهور صقر قريش. واللافت أنّ شخصية صقر قريش، هي الشخصية الوحيدة الجدية التي لا تبتسم، ولا تولد إضحاك سوى عن موقفها الشاذ عن باقي الممثلين الذين يلقون النكات والدعابات.

فعصر اليوم هو عصر السخرية، ولم يناسب شخصية كصقر قريش الذي يحجز في المخفر بقفص مربوطاً بجنازير من رقبته، ويعامل كدابة وترقص "تشليط" فوق القفص وهو اسم لازم هذه الفتاة من دون سبب، وترمي عناصر الشرطة بحذائها. هذه الخلطة غير المتماسكة جمعتها فقط الدعابات والكلام الهزلي الفارغ من المعاني. فكل ثغرة بسياق العرض كانت تمتلئ إما بدعابة أو بموضوع ذاع صيته على وسائل التواصل. فتكرر بالعرض دعابة غسان لعدة مرات من دون أي سبب ومبرر درامي.


دلالات

المساهمون