"أبراهام" لعلي كريم عبيد: عنف الواقع

"أبراهام" لعلي كريم عبيد: عنف الواقع

18 يوليو 2018
من "أبراهام" لعلي كريم عبيد (الملف الصحافي للمهرجان)
+ الخط -
استطاع علي كريم عبيد، المخرج العراقي المقيم في برلين، أن يفرض نفسه بجدارة وبمدة قصيرة في المشهد السينمائي العربي المعاصر، بعد تخلّيه عن الكتابة المسرحية ببعدها النخبوي. فرغم السبق الزمني للمسرح، الممتدّ كرونولوجيًا إلى زمن سحيق مقارنة بالسينما، إلا أنّ هذه الأخيرة استطاعت ـ في ظل الطفرات التكنولوجية التي تشهدها المنظومة التقنية في العالم ـ أن تتفوّق شيئًا فشيئًا على المسرح. مردّ ذلك إلى سهولة وسرعة تداول الأفلام في المنازل العربية مقارنةً بالمسرح، الذي ظلّ يحتكم منذ القدم إلى العائلات البرجوازية، وأيضًا إلى نمط وطبيعة اشتغال الصورة وطرائق تشكّلها وما تمارسه من سحر وفتنة.

بعد حصوله على دبلوم الدراسات المسرحية، غادر علي كريم عبيد العراق إلى ألمانيا لإكمال دراسته. لكن شيئًا ما فيه كان يجذبه إلى السينما. اختار مواضيع مستلّة من الواقع العراقي بحروبه وويلاته، كامتدادٍ مزمن لبشاعة ما آلت إليه أمور دول عربية منذ الربيع العربي، الذي أفرز تصدّعًا في الكيان السياسي ـ الاجتماعي العربي، خصوصًا مع بروز حركات إسلاموية تمجّد الماضي وتعمل على نسف الحاضر والمستقبل، مدّعية لنفسها شرعية سفك الدماء باسم الدين.

في هذا الأفق العراقي الجريح، يشتغل علي كريم عبيد على الديني والسياسي في المجتمع العراقي المعاصر. تيمة تطبع أعماله الفنية وفق مقاربة فنية وجمالية سينمائية مشبعة بالمعاني، وواقعية موسومة بقلق التاريخ وعفن المرحلة، عاملاً على دمج السياق العربي في المجتمع الغربي. فيلمه الأول "حسن في بلاد العجائب" (2014) شارك في نحو 50 مهرجانًا دوليًا، حاصدًا 7 جوائز، أهمّها "جائزة فان غوغ الدولية" كأفضل فيلم عائلي في مهرجان أمستردام الدولي عام 2015. بعد "أزمة"، أنجز فيلمه الـ3 "أبراهام" (تمثيل سارة الدبوخ ومحمد زواوي وباسل العلي وفيصل داسر وعلي كريم وغيرهم)، المُشارك في الدورة الـ3 (17 ـ 20 يوليو/ تموز 2018) لـ"مهرجان كرامة ـ بيروت لأفلام حقوق الإنسان" في بيروت.

تدور أحداث "أبراهام" (8 د.) في المدينة العراقية الموصل. يحكي قصّة أسرة مسيحية تُرغم على دفع الجزية للتنظيم الإرهابي "داعش". في مناخ من الحزن والكآبة، توافق العائلة النصرانية على دفع الجزية بغية البقاء في الموصل. في لحظة ما، يأمر قائد الفرقة المقتحمة منزل العائلة أفراد الابن البكر بنكح الفتاة، لإتباث أنها زوجته لا أخته كما ادّعى أمام الفرقة لحمايتها. لكن الشاب يرفض، وتنتحر الفتاة في حالة قلق وفزع واضطراب تسود المنزل العائلي، مستخدمةً مسدس شقيقها المخبّأ في الجارور.



الصورة الفنية لدى علي كريم عبيد في "أبراهام" تعيد تشكيل الواقع العراقي المتشظي ومحاكاته بجمع قصص آلاف النساء ـ اللواتي فضّلن الانتحار خوفًا من الاعتداءات الداعشية عليهنّ ـ بشخصية الفتاة المنتحرة. مع غياب كلّي لعنصر التخييل المعهود في أفلام علي كريم عبيد، ما يجعل الفيلم أكثر التحامًا بالواقع، عكس "حسن في بلاد العجائب"، الذي لجأ إلى المتخيّل. رغم ذلك، فإنّ عملية التفكير لدى المُشاهد تتحرّك سريعًا في نهاية الفيلم مفسحة المجال أمام المتخيّل والتأمّل والدهشة والتساؤل المشروع.

سؤال يُطرح مع نهاية الفيلم يتعلّق بالربيع العربي، الذي كان "نعمةً" على بلدان و"نقمة" على أخرى. فالربيع العربي عرّى مزاعم وأغلاطًا كثيرة، وبَيّن عطب جمعيات المجتمع المدني وبؤس الواقع السياسي وتعدّد أقنعة المثقف العربي وتضارب مصالح الإسلام السياسي وتزمّت الفكر الإسلاموي وتضخّم الديني في الحياة المعاصرة، ما ساهم في ظهور الحركات "الجهادية".

علي كريم عبيد مخرج ذكي، استطاع في "أبراهام" طرح أسئلة حرجة للغاية عن مرارة واقع مجتمعات ما بعد الربيع العربي.

المساهمون