"الفراشة" لحميد باسكيط: الماضي يحرق

"الفراشة" لحميد باسكيط: الماضي يحرق

11 يوليو 2018
بيرلس والناجي في "الفراشة" لحميد باسكيط (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يحاول "الفراشة" (2018)، للمغربي حميد باسكيط ـ المُشارك في الدورة الـ7 (23 ـ 27 يونيو/ حزيران 2018) لـ"مهرجان الفيلم المغاربي" في وجدة (المغرب) ـ حلّ معادلة من 3 أمور مجهولة. من هنا ينبع التشويق. لا يستطيع المُشاهد تخمين ما سيجري. 3 أفراد يظهرون دفعة واحدة في فيلم بوليسي ـ غنائي ـ عاطفي، يُمكن اختزال قصته بما يلي: وُجدت مغنية الأوبرا المشهورة سميرة (السوبرانو سميرة القادري) جثة هامدة في منزلها على الشاطئ. بعد تحقيقات أولى، تبيّن لرجال الشرطة أن الحدث جريمةٌ وليس انتحارًا. يتولى العميد جمال (رشيد الوالي) التحقيق، ويشكّ بداية في عمر (أمين الناجي)، زوج سميرة. هكذا تجري معركة شرسة بين الرجلين، فمن سينتصر؟ 

عند وصول الكاميرا إلى موقع الحدث، كان كل شيء قد انتهى. لذا، يُنتَظر من الـ"فلاش باك" أن يكشف ما جرى، فتبدأ رحلة إلى الماضي. هناك فراشة تحوم حول ماضيها، وحول مكان الجريمة أيضًا. هكذا يرتكز الفيلم على زمنين: أيام التحقيق الممتدة من الجريمة (زمن أول) إلى المأساة التي تؤدّي إليها (زمن ثان). هناك تركيز على ماضي القتيلة أكثر من التركيز على مستقبل من حولها. تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا يُصعِّب المتابعة.

يقول تزفيتان تودوروف إن للنصّ الروائي البوليسي معيارًا: "في كلّ قصة بوليسية حادثتَيْ قتل". هذا ينطبق على "الفراشة". يُضيف أن "في القصّة قصتين: قصة الجريمة وقصة التحقيق" (مقالة "أنماط الرواية البوليسية" في "كتاب شعرية النثر"، ترجمة عدنان محمود محمد، وزارة الثقافة ـ دمشق، 2011). وجه الشبه الثالث كامنٌ في أن شخصيات القصة الثانية (التحقيق) لا تتصرّف بل تتعلّم. لا يمكن أن يحصل لها شيء، لأن هناك قاعدة لهذا الجنس السردي تنصّ على حصانة المحقّق في الجريمة: لا يُجرح ولا يُقتل. هو يبقى كي نعرف بواسطته (حقائق الجريمة).

يحاول الفيلم الروائي الطويل الأول لحميد باسكيط حلّ لغزين: لغز القتل ولغز النسب. أحيانًا، يلتبس المجرم مع المحقّق. مبدئيًا، هناك شرطي يحقّق في جريمته. لكن، فجأة، يأتي حلّ اللغز من قصة ثالثة فرعية، بطلتها ابنة القتيلة (سارة بيرلس). بإضافة هذا المجهول الثالث في القصة الفرعية يتشوّش المُشاهد. يزداد التشوّش مع غياب معلومات بصرية في التحقيق، إذْ لا تظهر الأدلة الجُرمية، بل ينكشف اللغز دفعة واحدة. هناك جريمة بالصدفة لا بالقصد. وبسعيه إلى مفاجأة المتفرّجين، فإن الفيلم لا يُشركهم في اكتشاف السر. كما أن في الفيلم رجالاً يتزوّجون نساء أكبر منهم سنًّا، وهذا ليس ضمن الاحتمالات والممكنات التي يهضمها المتفرّج المغربي. سيضعف ذلك التشويش آمالَ صمود الفيلم في القاعات السينمائية.



تتعرّض القصة الرئيسية للتشويش بسبب القصص الفرعية (شابة تحاول إغواء رجل محبط، بيودوفيليا مقحمة، إلخ.). يبدو أن كثرة الأيدي ليست دائمًا مفيدة في كتابة السيناريو. للإشارة حصل الفيلم على الدعم المالي من "المركز السينمائي المغربي" عام 2014. أُعيدت كتابة السيناريو مرات عديدة، بحسب تصريح الـ"دكتور سكريبت" محمد العروسي، المتعاون مع حميد باسكيط على الكتابة الثانية للسيناريو الذي كتبته نادية هدى. يُذكر أن "الفراشة" عُرض أول مرة في الدورة الـ19 (9 ـ 17 مارس/ آذار 2018) لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة"، ولم ينل أية جائزة، لأن المنافسة قوية.

في "الفراشة"، أدّى رشيد الوالي دوره بشكل متميّز. مجدَّدًا، تفوّق أمين الناجي في دوره كابن فلاح صار طبيبًا وسكن المدينة وتزوّج امرأة متحرّرة. قدّم الناجي ما هو مطلوب منه فقط. لا يزيد من عنده. أدّى دورًا في بيئة لا تطابق المنظومة البدوية التي تربّى فيها. أما سارة بيرلس فقدّمت دورًا أعقد من دورها في "بورن آوت" (2017) لنور الدين الخماري. سارة جريئة في عهد السينما النظيفة. عندما يتمّ اللجوء إلى ممثلة من أصل أجنبي لكشف صدرها، لا تُثار فضيحة. الغيرة الشعبية مرتبطة بالممثلة المحلية فقط. هي وحدها الملزمة بالستر. سارة تستحق جائزة أحسن دور نسائي ثاني في مهرجان طنجة نفسه، لكن الجائزة مُنحت للشابة دنيا بنبين عن دورها في "غزية" (2018) لنبيل عيّوش.

حتّى إذا لم يحصل "الفراشة" على جائزة في مهرجانٍ ما، تُتاح له فرصة المُشاركة في مهرجانات أخرى في المغرب. هذا دليل على وجود حياة سينمائية حقيقية في المغرب، وهذا مُبهج يظهر للمراقبين من الخارج أكثر مما يظهر لمن هم في الداخل، الذين يحتجّون على أي شيء لأسباب تافهة. المُشاركة في لجنة "جوائز نقاد السينما العربية" عاملٌ مُساهم في إجراء المقارنة بين أفلام عربية كثيرة، بعضها معروض في مهرجانات دولية، ويجمعها "تمجيد الثورة" في مجتمعات طائفية قبلية غارقة في العنف والتفكّك الاجتماعي. أفلام منفصلة عن واقعها، يصوِّرها مخرجون مهاجرون وتفتقد اللمسة الحداثية السائدة في الفيلم المغربي الذي لا يُضخِّم "الربيع العربي".

المساهمون