100 عام على ميلاده: ظهور الشيخ إمام واختفاؤه

100 عام على ميلاده: ظهور الشيخ إمام واختفاؤه

01 يوليو 2018
(حاولت فرق إعادة توزيع أغانيه عبر نفس الآلات البسيطة)
+ الخط -
عقب اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011، عادت أغاني الشيخ إمام (1918 - 1995)، الذي تمر 100 عام على ميلاده، لتنتشر كما النار في الهشيم. لم تفارق أغانيه الميدان، كانت هتافاً مهمّاً للشباب.

قبل هذا الحدث السياسي الجلل، الذي لم يسبقه حدث بحجمه لأجيال متعاقبة، كانت المعرفة بوجود وتراث الشيخ إمام مقتصرة، غالباً، على معاصريه، وورثتهم الاجتماعيين، وعلى دوائر الحراك السياسي المحدود، التي بطبيعة حال القمع في مصر كان عددها محدوداً كما كان عدد أفرادها. في سعي للتكاتف المعنوي بينها، عرف أفرادها بعضهم بعضاً في مجتمعات صغيرة، مثل 6 إبريل والأحزاب المعارضة التي تحاول خلق مساحة لنفسها على الساحة، في ظل قمع السلطة المستمر.

في غياب الفن المعارض منذ بداية الجمهورية، برز ثنائي نجم وإمام كرمز للفن المعارض المستقل. لكن غياب هذا الثنائي إعلامياً، لأسباب منها المنع الرقابي، والاعتماد على الدعاية الشخصية في الغالب، لم يُسمع عن الثنائي إلا داخل الدوائر السياسية، ومن هُم مقربون منه بشكل شخصي، وعائلاتهم طبعاً. انتشرت جلسات الغناء التي كان بطلها الشيخ إمام، وشكلت متنفساً ونوعاً من الترفيه الفني، إلى جانب أنها كانت هتافات سياسية في المظاهرات وطريقة لاستبقاء وشحذ الهمم من أجل الوقوف في وجه النظام.

في أواخر التسعينيات، تكوّنت مجموعات من الفرق المستقلة التي هدفت آنذاك إلى إعادة تقديم تراث الشيخ إمام الذي كان معروفاً لهم لقربهم من دوائره الشخصية، مثل فرقتي "اسكندريلا"، و"حبايبنا"، اللتين اعتمدتا على نقل الأغاني في أبسط أشكالها، بنفس الشخصية والآلات البسيطة - العود والإيقاع فقط حينذاك - التي كان يستخدمها الشيخ في تقديمه الشعبي البسيط لأغانيه، سواء في جلسات الأصدقاء، أو على المسارح في سورية وتونس، وغيرها من البلدان العربية التي استقدمته كظاهرة سياسية فنية واحتفت به، في حين لم يكن معروفاً عنه في مصر، بل إنه في تلك البلدان تكونت قاعدة جماهيرية لم يحظ بها في بلده.



جاءت ثورة 25 يناير، ومع كون الخيار محدوداً حين يكون الأمر متعلقاً بالأغاني الوطنية المعبرة عن الشعب، التي لا تمجد النظام الحاكم، أو ترمي إلى الخضوع له، ظهر الشيخ إمام مرة أخرى، وساعدت الظروف السياسية أن يصبح رقم واحد شعبياً في الميدان، وينتشر بما لم يتحقق له وهو حي، حتى استخدمت أغانيه في الهتاف والمظاهرات، واستدعاها الشباب من الإنترنت، لتصبح أغانيهم المفضلة لهذه الفترة، بعد اكتشافهم وليمة من الأغاني المعارضة شعبية التوجه.

حاولت مجموعات غنائية في لبنان وفلسطين إعادة توزيع الأغاني في حدود نفس الآلات البسيطة كالعود والإيقاع والأصوات، مثل فرق "الراحل الكبير" و"يلالان"، بينما فضلت مجموعات غنائية أخرى، مثل "بركة" و"مادو" و"بهية"، إعادة تقديم أغاني إمام بمحاولة توزيعها موسيقياً بما يلائم الآلات التي تستخدمها، مثل الغيتار والباص غيتار والدرامز.

في الأغلب، لم يلائم هذا طبيعة الأغاني الأقرب إلى طبيعة الفلكلور المصري من حيث تكوين الجملة والمقامات الموسيقية المستخدمة، وأصبح الناتج خطاً موسيقياً موازياً مقحماً على اللحن الأصلي، متنافراً معه، ولا يعبر عن الحالة التي صنعت من أجلها الأغاني، أو في أفضل الأحوال؛ لم يكن هذا النمط أكثر "سنيداً" للقالب الأصلي، لا يضيف بدوره شيئاً.

في حين فضّل آخرون تقديم الأغاني من خلال إعادة تلحينها وطرحها في قالب مغاير تماماً لأصلها الذي قدمه إمام. هذه المحاولات، على اختلاف مستويات جودتها، كانت الأفضل في إعادة التناول لإنتاج إمام ونجم بطبيعة الحال، منذ أن بدأها الشرنوبي في "أهيم شوقاً" مع محمد الحلو، وحتى خاضها المشهد الموسيقي المستقل في الكراون لفرقة "دروشة"، و"الخط ده خطي" لكايروكي. هنا، تظهر أهمية عملية الخلق من جديد التي توسع قابلية الكلمات لأن تكون في قالب الروك والميتال، في مقابل إقحام آلات لمجرد وجودها في شكل الفرقة الموسيقي، وليس للحاجة الموسيقية لها.

اللافت هو الفرق التي تبعت نهج الأغاني، ولكنها خلقت أغاني جديدة لنفسها، بشخصيتها وروحها وآلاتها وألحانها وكلماتها. على سبيل المثال، تمكنت فرقة "كايروكي" من سن نهج جديد مصري للأغاني المعارضة على موسيقى الروك، وهذا نجاح كبير، وبالطبع لا يمكن الاستهانة بتجربة رامي عصام، أو إنكار أنها الشكل الأقرب الحداثي لما قدمه إمام، سواءً في اللغة، والخط الذي يتبعه في الموضوعات، والموسيقى التي أصبحت ثرية للغاية لمزجها بين المصري والهارد روك، خصوصاً في الثلاث سنين الأخيرة من إنتاجه، إضافة إلى الأناركية الواضحة التي يتبناها، رغم خلاف الكثيرين على جودة صوته، أو ما يقدمه. أما الفئة التي ظهرت واختفت، فهي تلك التي حاولت خلق أغانٍ جديدة بنفس التكوين الذي استخدمه إمام ونجم من قاموس اللغة وإيقاعاتها، حتى شكل الأغنية والمقامات المستخدمة على أساس أنها فن معارض ينتمي إلى نفس المدرسة. حتى إن بعض المغنين تقمصوا أداء إمام الغنائي الذي لم يكن موفقاً طوال الوقت؛ فكان النموذج متواضعاً للغاية، ولا يتمتع بشخصية فنية وموسيقية خاصة.

مع الوقت، اختفى إمام مجدداً من الساحة، وتحولت أغانيه إلى موضة قديمة انتهت، تحييها من حين إلى آخر فرقة أو اثنتان، ويمكن أن تكون لهذا علاقة بالواقع السياسي المرير الذي شهد تضاؤلاً شديداً في مساحة التعبير وحريته، وشدةً في الرقابة على الفن حد الاحتجاز والمنع، إضافة إلى الواقع الاجتماعي المتردي الذي جعل الانشغال بالنجاح في النجاة اليومية هدفاً في حد ذاته... جعل الكثير يشعر بالمرارة حد تجاهل هذه الأغنيات التي تذكر الجميع بالأمل وبما يجب أن نشعر وأيضاً بما يجب أن يكون. ومن الممكن أيضاً أن يكون السبب أن الغلبة دائماً للحاضر، حيث تجتمع الأجيال الأحدث - أصحاب هذا الزمن - على ما أنتج في عصرها الحالي ويعبر عنها. وفي نهاية الأمر، تبقى النتيجة واحدة.

المساهمون