مهرجان "فيوجن" الألماني... مجتمع بدون دولة

مهرجان "فيوجن" الألماني... مجتمع بدون دولة

02 يونيو 2018
صورة من المهرجان عام 2015 (الموقع الرسمي للمهرجان)
+ الخط -
في نهاية شهر حزيران/ يونيو من صيف كل عام، يتوجّه عشرات الآلاف من الشبّان والشابات إلى منطقةٍ قريبة من مدينة لايبزغ في شمال شرقي ألمانيا، وتحديدًا في مطار عسكريّ سابق يُدعى مطار "موريتز" Müritz، من أجل إحياء مهرجانٍ، يُعدُّ من أحد أكبر مهرجانات موسيقى التيكنو والفن في العالم؛ إنَّه مهرجان "الفيوجن"، الذي يضمُّ حوالي 120 ألف إنسان، يبنون مجتمعاً كاملاً على مدار أسبوع كامل في الطبيعة الصرفة، وبدون وجود أيّ شكل من أشكال الدولة. علمًا أنَّ أوّل دورة للمهرجان قد انطلقت في عام 1997، ومنذ ذلك الوقت، صار هذا المهرجان تقليداً سنوياً لا يقتصر فقط على النطاق الألماني المحلي، بل يأتي إليه الزوار من كل أنحاء أوروبا، بل من كلّ أنحاء العالم، وخصوصاً من أميركا وأستراليا وشرق آسيا.

ذاكرة المكان

يبعد مكان المهرجان حوالى 160 كيلومتراً عن العاصمة الألمانية برلين، وللمكان ذاكرة تاريخيَّة غنيَّة، إذْ كان يستخدم من أجل التدريبات العسكريَّة أثناء سيطرة الحزب القومي الاشتراكي العمالي النازي على الحكم في ألمانيا بين عامي 1933 و1945، ولعب دوراً أساسياً في الحرب العالميّة الثانية، خصوصاً من ناحية إجراء البحوث العسكريَّة وتجارب الطيران العسكري. في 2 مايو/ أيار من عام 1945، مع بدء تداعي النازيّة وسقوط هتلر، سيطر الجيش الأحمر السوفييتي على المكان. ولا تزال بعض الحظائر الخفيَّة التي كانت تختبئ فيها الطائرات السوفييتية موجودة في المكان حتّى الآن، إذْ تستغل من قبل إدارة المهرجان لإجراء نشاطات متعددة فيها.

خلفيَّة سياسية

ولمهرجان فيوجن خلفيَّة سياسيَّة وثقافيّة لها علاقة بالمواقف السياسيَّة لمنظّمي هذا المهرجان، خلفيَّة مفتوحة تنتقم من ماضي المكان المغلق والمليء بالحروب والتعصّب القومي والعرقي. فهو مهرجانٌ معادٍ تماماً للعنصريَّة الطبقية والجنسية والعرقية وكافّة أشكالها الأخرى. وهو مهرجان مفتوحٌ على كافّة أشكال الهويات الجنسيَّة المثلية والمتحوّلة، وهو مهرجان يحتوي دومًا على لافتات وعروض وأنشطة خاصّة في دعم اللاجئين، ومحاربة رهاب الإسلام (إسلاموفوبيا) ومكافحة التمييز ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، يتشارك جميع الموجودين في المهرجان الطعام والمكان دون الإحساس بأهمية الملكيَّة وسطوة تراكم المال. إنّه مكان تنعدم فيه الطبقات، ويتساوى فيه الجميع، ولا فرق بين أحد. وبالتالي، فإنَّ المهرجان يستقي أفكاره من الليبرالية السياسية والاشتراكية الاقتصاديَّة. ثمَّة مطبخٌ كبيرٌ مثلاً، يعمل فيه أعضاء المهرجان بشكل دوري، يقدّم طعاماً نباتياً فقط (لا توجد لحوم على الإطلاق في المهرجان) بثمن رمزيّ لا يُذكر، كما أنَّ تنظيم الأمور اللوجستيّة في المهرجان يتولّاه الأعضاء في درجة عاليّة من التناغم والتفاهم.




انعدام السلطة

إلا أنَّ القوّة الأساسية للمجتمع المتشكّل، والذي يبلغ عدد أعضائه أحيانًا أكثر من 120 ألف إنسان، هو عدم وجود جهاز الدولة على الإطلاق. لا قوى شرطة ولا أجهزة أمنيَّة ولا دورة بيروقراطيَّة، مع ذلك، ينعدم في هذا المهرجان العنف على الإطلاق. ومنذ عام 1997، أي منذ انطلاق المهرجان، لم تسجّل السلطات الألمانيَّة أي حالة عنف أو تحرّش أو اعتداء أو سرقة أبدًا. عشرات الآلاف يعيشون على مدار أسبوع كامل، اعتمادًا على عقد اجتماعي حديث التشكّل، ينطلق من الناس ومزاجهم الآني، وليس من الدولة أو السلطة أو الجهاز السياسي الحاكم.
يشهد المهرجان، أيضاً، عروضاً مسرحيَّة وفنيَّة وثمّة سينما كبيرة في الهواء الطلق، بالإضافة إلى موسيقى التيكنو بكافّة أشكالها، الـ Hard Techno والـ Deep House Techno والـ Trans.

دلالات

المساهمون