"حارة خارج التغطية"... والإنسانية

"حارة خارج التغطية"... والإنسانية

18 يونيو 2018
اعتمد العمل على ممثلين مغمورين ووجوه غير معروفة (فيسبوك)
+ الخط -
بعد أن حلت أزمة التسويق والبيع بالإنتاجات الدرامية السورية، اتجهت بعض شركات الإنتاج السورية إلى أعمال محلية رخيصة تتوافق مع سياسات القنوات السورية، التي ستقوم بشرائها لتعبئة برنامج عرضها. لذلك، عملت شركات الإنتاج على تقليص حجم التكاليف، ولم تخاطر بالبذخ على إنتاجات ضخمة قد لا تتمكن من بيعها في ما بعد.

ومن تلك الإنتاجات الرخيصة التي تم عرضها في الموسم الرمضاني مسلسل "حارة خارج التغطية"، الذي كان يُعرض على قناة "سورية دراما" عند الثامنة صباحاً، ودون إعادة. ليس من المستغرب أن تضع القناة هذا التوقيت لعرض العمل، فالمسلسل لا يحوي كادره على أي اسم من أسماء النجوم السوريين، ولا حتى ممثلين من الدرجة الثانية أو الثالثة، فالوجوه الوحيدة المألوفة ضمن المسلسل هي وجوه أولئك الممثلين المغمورين الذين عملوا ككومبارس منذ التسعينيات، وكانت تظهر أسماؤهم في شارة النهاية بأحسن الأحوال، أما ما تبقى من الأسماء فهي لوجوه شابة هاوية تخوض تجربتها الأولى في مجال التمثيل. وليست المشكلة بخوض تجارب مع وجوه جديدة شابة، إلا أن العمل اعتمد على الهواة للتقليل تكلفة الإنتاج.

يرتكز العمل على حبكة أساسية ضعيفة، وهي مناكدات زوجية بين الزوجة المسترجلة "خدوج" وزوجها "مفيد"، الذي يعاني من تسلطها الدائم عليه، بالإضافة لردود أفعال جيران الحي حول تلك العلاقة. وتمثل شخصيات أهالي الحي الشعبي في العمل جميع أطياف الشعب السوري، حسب تصريحات مخرج العمل محمد عبود، الذي أراد من خلال عمله تسليط الضوء على الأوضاع المعيشية والأزمة الاقتصادية التي مر بها الشعب السوري خلال "الأزمة".



لا يرتقي العمل حتى إلى تمرير رسائل سياسية، كما هو معتاد؛ فالأعمال الدرامية للكتاب الموالين للنظام السوري، تكتفي بتوجيه إهانات مباشرة عن طريق التهريج على شرائح من النسيج السوري. ففي الحلقة الأولى من المسلسل، يسخر أهل الحارة من "أرتينو"، العجوز الأرمني، وذلك لعدم إتقانه اللغة العربية، ولا يكتفي العمل بتنميط الأرمن بأشخاص لا يفرقون بين المذكر والمؤنث لغوياً، وإنما يشكك في هويتهم، حيث يقول أحدهم لـ"أرتينو": "كيف عندك هوية سورية وأنت بتحكي بهالطريقة"؟ رغم أن المسلسل يشدد بخطابات مباشرة على ضرورة تأييد الأرمن للنظام السوري ضد المؤامرات.

وفي المسلسل، يبدو أن كل فرد من أفراد الحي هو سبب من أسباب الأزمة الاقتصادية في سورية، حيث يحاول العمل رفع المسؤولية عن السلطة واتهام الشعب بأزمة فقدان المحروقات والأغذية. ففي بعض الحلقات، يكون المسؤول عن فقدان الأرز والغاز زعران الحارة، وهما "كشاش الحمام" و"بائع الدخان"، فهما اللذان يقومان بسرقة بيوت الحارة بعد أن يهاجر سكانها إلى الخارج أيضاً.

ويوصّف صناع العمل الشعب السوري بأنه شعب استغلالي طامع، حيث صرحت الممثلة المشاركة بالعمل، رغداء هاشم، بأنها "تجسد شخصية طماعة تقوم بتأجير الغرف في منزلها للنازحين والمهجرين، وذلك للإشارة إلى الشعب السوري وأخطائه في الأزمة، حيث بدا كشعب متبلد المشاعر ويشمت بموت جيرانه". وفي إحدى حلقات المسلسل، تسقط قذيفة هاون على "مفيد" ليبدأ جيرانه بالاستهزاء به، وبأن القذيفة لم تود بحياته وإنما أودت بحياة الآخرين! ساخرين من ضحايا قذائف الهاون ومن أشلائهم من خلال استخدام تعابير فجة، فتتردد أمام الضحية عبارات مثل: "شو هالقذيفة يلي ما روحتلك غير صوتك، شوف ابن فلان ما بقي منه غير رجله"، ليستعرض المسلسل اللاإنسانية بحجة أن الشعب السوري اعتاد على الحرب وتأقلم معها!

المساهمون