"طريق" مُختصرة جداً إلى رواية نجيب محفوظ

"طريق" مُختصرة جداً إلى رواية نجيب محفوظ

12 يونيو 2018
هل تصوّر نجيب محفوظ شخصية جابر بهذه العشوائية؟ (فيسبوك)
+ الخط -
يأكل المعكرونة بفمه مباشرة، يقطع اللحم بيديه في حفل زفاف، ويحول المطبخ إلى ساحة معركة من الفوضى أثناء إعداد الفطور. مشاهد متكررة قدّمت الفنان عابد فهد في مسلسل طريق بشخصية جابر سلطان التي لا تحمل من قيم الترتيب شيئاً، ولا يراعي صاحبها المكان والأشخاص المحيطين به. فهل تصوّر الروائي نجيب محفوظ حقاً شخصية جابر بهذه العشوائية المبالغ بها؟ وهل هكذا تكون البساطة حقاً؟ 

ثلاث حلقات
يشكل مسلسل "طريق" فرصة واسعة لظهور الفنانة اللبنانية ندين نسيب نجيم بعد انسحابها من ثاني أجزاء الهيبة. وبذلك، تحولت نجيم من ممثلة اعتادت الوقوف إلى جانب نجوم سوريين في الأعمال المشتركة، إلى لعب دور درامي يقدمها كشخصية تغيّر مجرى الأحداث، بل حتى ينقلب مسرح الحكاية لصالحها من بداية الحكاية وحتى نهايتها.
فنشاهد أميرة في بداية الحكاية فتاة فقيرة تعمل في كازية والدها المتوفى، تفشل في البحث عن عمل في مجال الحقوق الذي درسته، بل حتى تتعرض للتحرش وتغرق في مشاكل مادية تهدد حياة شقيقتها بالخطر. ذلك قبل أن يظهر المارد السحري جابر سلطان في حياتها، وتشاء الصدف القدرية أن تضع جابر في طريق أميرة أينما ذهبت. وبذلك، تفتح طاقة الفرص وينقلب حال أميرة رأساً على عقب بوجود جابر. وفي ظرف ثلاث حلقات، تدخل أميرة مزرعة جابر كزوجة وتغدو سيدة أرستقراطية، ومع كل خطوة على الممشى الترابي في المزرعة تتحول أميرة إلى أستاذة في تلقين الإتيكيت. ولا نلبث أن نشاهدها بلوك جديد وطريقة مغايرة في الكلام، مع انشغالها في العمل بمكتبها الخاص ومرافعتها في المحكمة دفاعاً عن الحقوق. فبأي حق تقتحم أميرة حياة جابر وتبدأ بالانسحاب بشكل لا ينسجم مع تاريخ الشخصية وملامحها؟



سبعون صفحة 
بالعودة إلى قصة "الشريدة" للروائي نجيب محفوظ، فإن الإصرار حد التعنت على بناء مسلسل من قصة قصيرة لا تتجاوز السبعين صفحة، حوّل المسلسل إلى قصة متمحورة حول امرأة تريد الظهور بثوب الأبطال من دون البحث عن الأدوات الصحيحة لبناء الرمز البطل. فجاءت البطولة منقوصة عند نادين التي تريد سحب البساط نحوها من دون توضيح مبررات التغير في مسار الشخصية أو استعراض مراحل التحول بشكل منطقي، يقابل ذلك تهور في أداء الفنان السوري عابد فهد صاحب الأرشيف الزاخر بأدوار استثنائية، لتقديم شخصية تعتمد بشكل كبير على الارتجال والحركات المبالغ بها بغية جعل المشاهد يتعاطف مع نادين حتى لو بدت هذه الحركات مسيئة لمكانة عابد فهد الفنية من ناحية، ولنموذج الرجل السوري المقيم في المجتمع اللبناني. فلا ضير عند صناع العمل من ظهور شخصية جابر عديم الثقافة لا يفقه من بروتوكول التعامل شيئاً رغم امتلاكه الملايين، مقابل أميرة الفتاة اللبنانية الفقيرة التي تتسلح بعلمها وحين امتلكت المال تابعت شغفها في عملها، بل بحثت عن استقلالها أكثر! 


نهايات معروفة
قد تتقاطع الطرق لكنها لم توصل حتى الحلقات الأخيرة الجمهور إلى التماس روح أفكار نجيب محفوظ في النص المقدم تلفزيونياً. ليأتي "طريق" كطبق من الخضروات خالية الدسم يناسب معدة الباحثين عن دراما غير منهكة في التفكير، وقبل أن تبرز خاتمة المسلسل كإنصاف لجابر أو تقديم مبررات مقنعة لقرار أميرة حتى لو عرفت النهاية سلفاً بحسب قصة "الشريدة"، فإنّه من المعيب وضع اسم كاتب بحجم نجيب محفوظ على مسلسل انسحب عدد كتاب من كتابة نصه، ودخل الممثلون عمليات تصويره وبيدهم نصوص ثلاث حلقات فقط!

المساهمون