"العاصوف": تغيير صورة المجتمع السعودي

"العاصوف": تغيير صورة المجتمع السعودي

10 يونيو 2018
مخرج العمل المثنّى صبح (فيسبوك)
+ الخط -
استدعى مسلسل "العاصوف" جدلاً كبيراً حول معالجته لطبيعة المجتمع السعودي فترة السبعينيات، وهي فترة شهدت تحولات كبرى اقتصادية وسياسية واجتماعية. اختيار حقبة السبعينيات وإعادتها إلى الواجهة بهذه الصورة، مع تشكيل صورة ذهنية عن مجتمع سعودي متحرر قبل فترة التشدد الديني؛ جاء متوافقاً مع تصريحات القيادة السياسية التي رأت أنّ الأفكار المدمّرة بدأت تدخل السعودية "في عام 1979، في إطار مشروع صحوة دينية تزامن مع قيام الثورة الإسلامية في إيران"؛ وفقاً لتعبير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (مواليد 1985م). وقد ذكر ناصر القصبي بطل المسلسل أن كلام الأمير محمد بن سلمان دعم المسار الذي اتجه إليه "العاصوف"، مستنداً إلى عبارة ولي العهد: "السعودية لم تكن كذلك قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة، فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق". 

وكأن فريق العمل في العاصوف استجاب لرؤية القائد الجديد، وأراد استعادة الصورة المرغوبة، إذ يلقي المسلسل اللوم على الوافدين على السعودية في نشر التشدّد الديني داخلها، عن طريق بعض الدعاة والشيوخ القادمين من دول مجاورة، جسّدها المسلسل من خلال شخصية الجارة السورية صاحبة الآراء المتشددة مقابل المجتمع السعودي المنفتح آنذاك!

مؤلف راحل ومخرج سوري
"العاصوف"، وتعني الريح الشديدة، أنتجته السعودية العام الماضي 2017 عن رواية "بيوت من تراب" للكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن الوابلي (1958-2016)، ومن إخراج السوري المثنى صبح. ويقوم ببطولته ناصر القصبي وحبيب الحبيب وعبد الله السناني وليلى السلمان وريم عبد الله وغيرهم. وكان القصبي يقول عن المسلسل: "عملنا في العاصوف نحو 5 سنوات لبناء الفكرة وتطويرها، ونقدّم عملاً فيه كل مقومات النجاح". ومن المنتظر أن يكون المسلسل في ثلاثة أجزاء.
ووفقاً لصناع العمل؛ فإن أحداثه تدور ما بين عامي 1970 و1975، ويتطرق إلى الحياة الاجتماعية بمناسباتها العامة والخاصة، والواقع الثقافي والاقتصادي للمجتمع السعودي آنذاك، بالإضافة إلى الفكر السائد لدى عامة الشعب في تلك الفترة، وطريقة التعاملات التجارية والحياتية، وكيفية معيشة الشباب. وهي المعالجة التي تخالف الصورة الذهنية النمطية للمجتمع السعودي.

حساسية المعالجة
حساسية المعالجة الدرامية في "العاصوف" أدّت إلى اعتذار بعض الفنانين عن عدم لعب بعض الأدوار، في فترة الإعداد، خوفاً من عواقب سوء التفهم لطبيعة الشخصية، مثل شخصية "أبو سعدون" الذي تقوم زوجته في فترة غيابه بعلاقة عاطفية مع خالد (ناصر القصبي). محمد الكنهل الذي أدّى شخصية أبو سعدون أشار إلى أنّ اعتذار مجموعة من الممثلين عن عدم أداء هذا الدور كان خوفًا من التحريف أو الفهم الخاطئ للمجتمع؛ في حين برّر الكنهل دوره بأنه واقعي جداً، وقد يحدث في أكثر من عائلة! ويبدو أن هذه الحساسية لم تكن لدى الممثلين فحسب، فقد حجبت قناة MBC عن بعض الدول مشهداً ترويجياً تعترف فيه البندري (زوجة أبو سعدون) لخالد بأنها حامل، وأنها لا تعرف مصدر هذا الحمل إذا كان من خالد أو أبو سعدون! إذ سيطالع المُشاهد في بعض البلدان على الفيديو المنشور بموقع يوتيوب عبارة: (لم يجعل القائم على التحميل هذا الفيديو متاحاً في هذا البلد!)، بينما تمكن مشاهدته عبر برامج البروكسي المنتشرة بسهولة. دور البندري أدته الممثلة البحرينية دانه آل سالم ولقي هجوماً كبيراً من نشطاء سعوديين؛ قال بعضهم إنه "لا يمثل الشعب السعودي، ولا في أي حقبة زمنية مضت". بينما ردت آل سالم بأنها تتطرق إلى المواضيع الحساسة، لكي تتكلم بالنيابة عمن لا يستطيع التكلم. يجمع العمل الدرامي مجموعة من الأحداث التي لم يعتدْ المجتمع السعودي على مشاهدتها، مثل قصة الطفل اللقيط وأمه المتاجرة بشرفها والجارة التي تخون زوجها المسن؛ كل ذلك بحجة أنها تمثل الواقع في ذلك الزمن، إذ وصفت الإعلانات الترويجية المسلسل بأنه عمل تاريخي ملحمي.



العاصوف وعبد الناصر
على جانب آخر؛ أثيرت حول "العاصوف" مشكلة أخرى، على إثر أحد المشاهد الذي قيل إنه يسيء للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، إذ وجّه مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر، احتجاجاً رسمياً إلى وزير الإعلام السعودي، يطلب فيه حذف المشهد؛ وجاء في خطابه: "انطلاقاً من العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين، نطالب باتخاذ ما يلزم تجاه قناة MBC التي أذاعت مسلسلاً حمل اسم "العاصوف" يتضمن مشهداً مسيئاً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث تحرق صورته، وهو ما يمثّل إهانة لرمز مصري وعربي كبير". وهو ما استجاب له وزير الإعلام السعودي الذي أمر بحذف المشهد، وفقاً لبيان المجلس الأعلى للإعلام. وقد حملت بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات ناقدة ومسيئة للمسلسل وصناعه بعد عرض هذا المشهد الذي اعتبروه جارحاً للدولة المصرية وأحد رموزها، في حين رآه آخرون مشهداً عادياً، لا ينبغي الوقوف أمامه بكل تلك الحساسية المفرطة، وأن الدراما العالمية، في السينما والتلفزيون والمسرح، تحمل يومياً انتقادات كبيرة لزعماء تاريخيين من دون أن يتهم صناع تلك الأعمال بالإساءة!

وكان أول رد فعل سعودي على ما أثاره مكرم محمد أحمد قد صدر عن مازن الحايك، المتحدث الرسمي باسم مجموعة MBC، الذي أكد أن المشهد المشار إليه طبيعي جداً وجائز درامياً، بكل المقاييس، وأنه جاء ضمن سياق درامي بحت، ولا يحتمل التأويل، وأنه بعيد كل البعد عن الشخصنة أو التجريح أو الإساءة.

المساهمون