نور حداد: ليست فواصل ترفيهية

نور حداد: ليست فواصل ترفيهية

01 يونيو 2018
حداد: نقدّم معلومات ومواد صحافية في الفيديوهات (تلفزيون سوريا)
+ الخط -
منذ أن انطلق بث تلفزيون "سوريا"، لاقى برنامج "نور خانوم" نجاحاً لافتاً، بفضل تنوعه ما بين السكيتشات التمثيلية والفقرات الحوارية ذات الطابع الساخر.

التقى "العربي الجديد" بنور حداد، معدة ومقدمة البرنامج، وفي الحديث عن مسيرتها التي أوصلتها بنهاية المطاف لتقديم برنامج "نور خانوم" على تلفزيون "سوريا"، تقول حداد: "درست الصحافة والاتصال الجماهيري، وبدأت عملي كصحافية، فعملت كمراسلة ومقدمة أخبار ومقدمة برامج في التلفزيون، وبعد ذلك انتقلت إلى صناعة السكيتشات الخاصة بي في السوشيال ميديا، وكانت بدايتي مع "تيلي أورينت"، حيث عملت على طرح مواضيع سياسية بقالب ساخر. فالسوشيال ميديا سهلت الأمور، وأصبح بإمكاننا الحديث عن مواضيع معينة من خلال فيديوهات قصيرة مدتها 3 دقائق، تحتوي على مواد ساخرة ولكنها مبنية بناءً صحافياً؛ فكنت أعد وأقدم هذه السكتشات، وأنتشرت على نطاق واسعة، لأن السوريين في ذلك الوقت لم يكونوا قد بدأوا بإنتاج فيديوهات من هذا النمط، فأنا أظن بأنني كنت أول فتاة سورية تقدم هذا النمط من الفيديوهات القصيرة السياسية الساخرة. ونتيجة لنجاح هذه الفيديوهات ورواجها، انتقلت مؤخراً للعمل في تلفزيون سوريا".

تضيف حداد: "بدأت بالعمل مع تلفزيون سوريا، وبالنسبة لي كان التحدي كبيراً، فليس سهلاً أن تنتقل من برنامج مدته ثلاث دقائق إلى برنامج مدته ساعة كاملة. كان عليّ أن أبحث بشكل مستمر عن أفكار للبرنامج لأحافظ على قيمة المحتوى، وبنفس الوقت عليّ أن أحافظ على نمطي الساخر؛ فعملي يشبه العمل بحقل ألغام، إذ عليك تقديم المحتوى الإعلامي دائماً بقالب السخرية السياسية، ولا سيما أن الموضوع السوري خصوصاً يرتبط بالمأساة، بسبب ما يرتكب من مجازر، فالمواضيع المصرية أو العراقية تبدو أسهل، حيث أنه في بعض الأحيان يكون الحدث السوري أكبر من السخرية، وتجد نفسك عاجزاً عن الخروج بتعليق على ما يحدث".



توضح حداد: "هذا الأمر بالتلفزيون أصعب، ففي السوشيال ميديا بإمكانك أن تتراجع عن طرح الفيديوهات التي تصنعها ببساطة، فأنت تنتج فيديو لتعرضه في نفس الوقت، أما في التلفزيون، فإنك تقوم بتصوير برنامجك قبل يومين أو ثلاثة، لتعطي العمليات التقنية والمونتاج وقتها؛ وهذا الوقت الذي نحن محكومون به، قد تتم به أحداث، وقد يكون بينها حدث يخرب "كل الطبخة". ففي الكثير من الأحيان نبني موضوع وفقا لحدث معين، ويحدث أمر مفاجئ يخرب الفرضية؛ كما حدث مؤخرا، حين بنينا حلقة على موضوع امتناع إيران والنظام السوري عن الرد على الضربة الإسرائيلية، ولكن إيران ضربت بعدها، ما أدى إلى إلغاء الحلقة بأكملها، وأعدنا التصوير بآخر وقت! فالعمل التلفزيوني يجعلك محكوماً بالوقت، ومحكوماً بالمفاجآت التي قد تحدث، فتقديم مادة ساخرة بالتزامن مع حدوث مجزرة أو مأساة صعب للغاية، وليس من السهل أبداً أن تقوم بتقديم برنامج سياسي ساخر على التلفزيون". 

وعن سبب اختيار حداد للقالب الساخر في طرحها للمواضيع السياسية الراهنة، تقول: "لم أختره. بشكل عام أحب السخرية، وأرى أنها الجانب الآخر من المعاناة. ونحن السوريين، لأننا نعيش بوضع مأساوي، فإننا نحتاج لهذه السخرية حتى نتمكن من الاستمرار بحياتنا، بدون هذه الروح الساخرة سننتحر بأقرب فرصة. لكن اعتمادي على السخرية لا ينفي بأنني أقدم مواد جادة، فسبق أن قدمت الأخبار وبرنامجاً سياسياً، وحتى هذه الفيديوهات، عندما بدأت أجمع الأخبار وأكتبها لأقدمها، كتبتها بطريقة ساخرة، وهو يتناسب مع الروح التي أراها بها؛ ولا سيما أن الأحداث السورية وإعلام النظام السوري وتصريحات الأسد كلها مدعاة للسخرية. ذلك ما يجعل الحل الأسهل لتقديمها هو تقديمها بطريقة ساخرة".

تضيف حداد: "الناس ملّت من متابعة الأخبار السورية، بما في ذلك  قسم كبير من السوريين، وأنا يعز عليّ أن ينسى السوريون قضيتهم. لذلك، ومن خلال الأسلوب الساخر فإننا نتمكن من إيصال صورة عامة عما يحدث في سورية بقالب يتقبله الجمهور؛ فنحن لا نكتفي بالتعليق على الحدث، بل إننا نقدم معلومات ومواد صحافية في هذه الفيديوهات. وبالمناسبة هذه المعلومات لا يشكك الجمهور عادةً بصحتها، فالمتابعين، بما فيهم موالي النظام، لا ينتقدون عادةً الأخبار التي نجمعها بوصفها غير صحيحة أو افتراءات، ولكنهم ينتقدونا بطريقة "مشخصنة"، فيكتبون لنا في التعليقات: أنتِ شخص تافه أو خنتِ وطنك..." ذلك لأننا ننقل المعلومات من دون أن نهولها ونزيد عليها، ولا نرتكب الأخطاء التي ارتكبها البعض في بداية الثورة، حين كانوا ينقلون معلومات خاطئة أو مشكوك بصحتها، لمجرد أنها تدين الأسد،  فنحن أصحاب قضية محقة، ولسنا بحاجة لتزييف الأمور لنثبت ذلك".



وعن برنامج "نور خانوم" وسبب اختيار حداد لفضاء البيت كفضاء للاستوديو الخاص بتقديم البرنماج، تقول: "الفيديوهات التي كنت أقدمها غريبة عن مجتمعنا الشرقي والسوري المحافظ، فمن الغريب بالنسبة للناس أن تقوم فتاة بالحديث بفيديوهاتها عن السياسة حتى لو بقالب ساخر، فكنت أسمع الكثير من التعليقات مثل: "روحي انضبي ببيتك أحسنلك" أو "روحي تزوجي، مكانك هو المطبخ"، فالكثيرون يستهجنون وجود فتاة لديها رأي سياسي. هذه التعليقات، التي كنت أراها مضحكة، ألهمتني بفكرة البرنامج، فبما أن الناس تريدني أن "أنضب" بالبيت، فأخترت أن يكون بيتي هو الاستوديو، فطالما أنا ببيتي، أستطيع أن أتكلم بأي موضوع أريده، سواء كان سياسة أو فن، حتى أني اخترت عبارة "البيت بيتي" كـ"سلوغان" للبرنامج؛ وطالما أن البيت بيتي فأنا أحكي بالطريقة التي أريدها. كذلك اسم "نور خانوم" أتى من الفكرة ذاتها، لأني "تخنمت" وقعدت في بيتي، أي الاستوديو".

وعن سبب تناول حداد لمواضيع غير مرتبطة بالشأن السوري في بعض فقرات البرنامج، كمواضيع مصرية أو عراقية، تقول حداد: "برنامجي سوري بالدرجة الأولى، لكن كل قضايا الوطن العربي تهمني، وخصصنا فقرة عربية بكل حلقة لأن البرنامج يعرض على تلفزيون عربي لأن نسبة كبيرة من جمهور البرنامج هم جمهور عربي، وليسوا سوريين فقط".

عادةً ما يتناول السوريون المعارضون المواضيع الدارجة كأساس لصناعة الكوميدية البرامج الترفيهية، وعن إذا ما كانت هذه البرامج تغني عن وجود دراما سورية تنتجها المعارضة، تقول حداد: "هذه البرامج لا تغني بالتأكيد عن وجود الدراما، وأنا لا أوافق على العشوائية في هذا النوع من البرامج، فهناك شعرة صغيرة تفصل ما بين أن تقدم برنامجاً ساخراً أو تقدم محتوى تهريجياً؛ فأنا ضد الانتقاد لأجل الانتقاد من دون تقديم معلومة صحافية؛ فأنا لم أقم يوماً بتسجيل فيديو من دون أن يكون مدروساً، لأنني محسوبة على الإعلام السوري المعارض. لذا لا يمكن اعتبار هذه البرامج بديلاً للمحتوى الترفيهي، ولا نستطيع أن نقول إنها تغني عن الدراما، بل على العكس؛ أرى أننا بحاجة لوجود دراما، دراما سورية تعكس الصورة الحقيقة، لأن الفن له تأثير كبير، لكن ذلك ليس بالأمر السهل، فالمعارضة لم تنتج طيلة سبعة أعوام سوى مسلسلين، ويعود ذلك لكون أغلب الممثلين السوريين اصطفوا إلى جانب النظام أو ساروا على الخط الرمادي، وبعضهم لا يستطيع أن يشارك بأعمال تصف بشكل واضح مع المعارضة، إضافةً لكون هذه المسلسلات يصعب تسويقها، فمن سيشتريها؟ لا يوجد دولة ستعرض على قناتها هذه الأعمال، ناهيك عن كون معظم القنوات لم تعد تشتري المسلسلات التي تتنجها مؤسسات تابعة للنظام". وتضيف حداد: "آخر مسلسل أنتجته المعارضة هو مسلسل "وجوه وأماكن" الذي أنتجته "ميتافورا" ولم يلقَ المسلسل الرواج المطلوب".



وعما إذا ما كان تلفزيون "سوريا" والمحطات المشابهة قد تساهم بإنتاج وعرض المسلسلات الدرامية التي تنتجها المعارضة السورية، تقول حداد: "قد تساهم بشكل بسيط، ولكننا نتحدث عن إنتاج تلفزيوني، يتطلب ميزانية عالية. بالإضافة لكون هذه القنوات هي قنوات إخبارية بنسبة 90%، وهي لاربحية بنسبة 100%. فتلفزيون "سوريا" من الممكن أن يساهم بإنتاج هذه المسلسلات أو قد يشتري مسلسلا رسالته لا تطابق رواية النظام، كما حدث في مسلسل "قلم حمرة" الذي يعرض على القناة. لكن هل يستطيع تلفزيون "سوريا" أن ينتج مسلسل مثل "قلم حمرة"؟ هذه الأعمال تتطلب إنتاجاً هائلاً".

وعن سبب تضمين سكيتشات درامية ضمن برنامج "نور خانوم" تقول حداد: "هذه السكيتشات لا تعتبر فواصل ترفيهية، فهي تتضمن رسائل واضحة، لكن وجودها ضروري، فهي من ناحية وجدت منفذاً لبرنامج "نور خانوم"، حيث كان من الصعب التحول من فيديوهات قصيرة مدتها 3 دقائق إلى برنامج تلفزيوني مدته ساعة من دونها. من ناحية أخرى، تجذب هذه السكيتشات الجمهور بمختلف أطيافه، فهناك صفحات موالية للنظام شاركت بعض هذه السكيتشات، مثل سكيتش "برج يلبغا"، وذلك أمر ضروري، فمن المهم أن نخاطب الجمهور الذي يقف على الحياد، والذي لم يتخذ موقفاً واضحاً لمناصرة الثورة السورية بسبب الخوف أو المصلحة أو غير ذلك؛ فوظيفتنا هي إيصال صوتنا لأكبر شريحة، وهذه السكيتشات تساهم بذلك".

ترى نور حداد أن "البرامج الإعلامية الحوارية والطويلة التي تصل مدتها لساعة كاملة، تعجز ببعض الأحيان عن ترك أثر يوازي الأثر الذي تتركه الفيديوهات الساخرة التي لا تتجاوز مدتها ثلاث دقائق. هذا الأمر اختبرته عندما انتقدت "فرانس برس" من خلال فيديو، حين أجرت الوكالة لقاء مع بشار الأسد، وباللقاء برأت الأسد تقريباً. وبسبب الفيديو الذي قدمته، رفعت "فرانس برس" قضية ضدنا، مما يؤكد أنه حتى وكالات الأنباء العالمية تتعاطى مع هذا النمط من الفيديوهات على محمل الجد، ولا تعتبرها مجرد مادة ساخرة، لا قيمة إعلامية لها". 


المساهمون