مديحة يسري.. سمراء النيل التي عايشت تاريخ السينما المصرية

مديحة يسري.. سمراء النيل التي عايشت تاريخ السينما المصرية

31 مايو 2018
لقبت يسري بسمراء النيل (فيسبوك)
+ الخط -
كانت السينما المصرية في بدايتها تحاول محاكاة نظيرتها الأميركية في أغلب التفاصيل، حتى في مقاييس الجمال المرتبطة ببطلاتها، حيث كانت الأفضلية للشقراوات والنساء ذوات الملامح الأوروبية، مثل ليلى فوزي وماري كويني على سبيل المثال.

في المقابل، كانت الممثلة مديحة يسري واحدة من الممثلات اللاتي غيرن تلك النظرة، حيث بدأ كل شيء بصدفةٍ عابرة جمعتها بالمخرج محمد كريم، الذي طلب منها أن تمثل ضمن المجاميع أمام الموسيقار والمطرب محمد عبد الوهاب في فيلمه الجديد "ممنوع الحب" (1942)، ورغم أن دور مديحة يسري كان مجرد ظهور ضمن الكورال، إلا أن اختلاف وتميز ملامحها السمراء خطف الأنظار نحوها، لتتحول سريعاً إلى نجمة صف أول في السينما المصرية، حين التقطها يوسف وهبي لتشاركه بطولة فيلمين على التوالي: "ابن الحداد" (1943)، ثم "الفنان العظيم" (1944).

تحولت مديحة يسري سريعاً إلى واحدة من أهم نجمات ووجوه السينما المصرية خلال الأربعينيات، حيث وقفت أمام أنور وجدي (تحيا الستات – 1944)، و(قبلة في لبنان –1945)، وفريد الأطرش في (شهر العسل – 1945)، ومحمد فوزي (فاطمة وماريكا وراشيل – 1949)، و(نهاية قصة – 1951)، وغيرها من الأعمال الأخرى التي جعلتها أيقونة جمال لتلك الفترة، فلُقّبت بـ"سمراء النيل"، وخلقت نموذج جمال يعتبر بعض مؤرخي السينما المصرية أنه هو الذي فتح الباب لممثلات أخريات كي يتصدرن الصورة.
مع بداية الخمسينيات وتغير السينما المصرية، سواء بسبب قيام ثورة يوليو أو وجود جيل جديد من المخرجين يحاول تقديم أفلام تحمل هموماً ورؤية أعقد من ذي قبل، لم تستطع مديحة يسري تطوير نفسها وموهبتها وأفكارها عن السينما لتصبح جزءاً من الموجة الجديدة، كما فعلت تحية كاريوكا على سبيل المثال، ولكن "يسري" ظلت مخلصة لنوعية واحدة من الأعمال الكلاسيكية والتقليدية، لتقوم ببطولة أفلام مثل "وفاء" (1953)، "إني راحلة" (1955)، "معجزة السماء" (1956)، وغيرها، وكلها قصص حب ببعض الميلودراما، ولم تنجح تلك الأفلام، وخفتت نجومية بطلتها مع الوقت، حتى أتت اللحظة التي قررت فيها تقديم نفسها في مرحلة عمرية مختلف، حين شاركت في بطولة فيلم "الخطايا" (1962)، وجسدت دور والدة عبد الحليم حافظ، الذي لا تكبره في حقيقة الأمر بأكثر من 8 سنوات فقط! ما جعلها تغادر طواعية مقعد "الفتاة الجميلة"، وتتحول صورتها السينمائية إلى أم.

شاركت "يسري" بعد ذلك في عدد ليس بالكبير من الأفلام، ولكنه أكثر خفة وقبولاً من الجمهور عن ذي قبل، خصوصاً فيلميها مع سعاد حسني "العريس يصل غدا" (1963)، و"خطيب ماما" (1965).
في السبعينيات، ومع الفتور الذي أصاب السينما المصرية والمشاكل الإنتاجية التي عانت منها الصناعة بعد توقف الدولة عن دعم وتمويل الأفلام، ابتعدت "يسري" عن السينما ولم تقدم إلا 3 أفلام فقط، أهمها وأقربها للجمهور هو "خلي بالك من جيرانك" (1979)، أمام عادل إمام وفؤاد المهندس، والذي انتقلت من خلاله، وحتى نهاية مسيرتها الفنية، إلى دور "الهانم الغنية"، والذي قدمته في عدد من الأفلام مثل "أيوب" (1983)، أمام النجم الكبير عمر الشريف، و"الصبر في الملاحات" (1986)، وهو كذلك الدور الذي لعبته في آخر أدوارها السينمائية "الإرهابي"، أمام عادل إمام وصلاح ذو الفقار. ولم يتغير الأمر كذلك في التلفزيون والمسلسلات، وأشهرها دورها في "هوانم جاردن سيتي" (1988)، وعلى الأغلب فإن ملامحها وطريقتها الأرستقراطية لم تدفع أياً من المخرجين لتجربتها في دور مختلف. قبل أن تعتزل مديحة يسري الفن تماماً مع بدايات الألفية، بدافع السن والمرض، حتى غيبها الموت عن عمر 97 عاماً، بعدما عايشت تاريخ السينما المصرية كاملاً منذ بدايتها.

المساهمون