مديحة يسري: تلويحة لسمراء النيل

مديحة يسري: تلويحة لسمراء النيل

31 مايو 2018
آخر أفلامها كان عام 1994 مع عادل إمام (فيسبوك)
+ الخط -
بعد مدة طويلة عانت خلالها الفنانة القديرة مديحة يسري (1921 - 2018) من التنقل ما بين المستشفيات، وسنين مرّت عليها ثقيلة وهي لا تقوى على الحركة سوى على مقعد متحرك، رحلت عن حياتنا، تاركة إرثاً فنياً، على الصعيدين السينمائي والتلفزيوني، ستظل خالدة به في ذاكرة جمهورها.

بدايات سمراء النيل
سبعون عاماً لم تفارق، الملقبة بـ سمراء الشاشة، فيها الكاميرا؛ فقدمت ما يزيد على ثمانين عملاً سينمائياً، إلا أنها، وبعدما شعرت بأن الأجواء الفنية لم تعد مناسبة لها ولا تليق بعمرها ولا بالتاريخ الذي قدّمته، قررت أن تترك الساحة الفنية، بعدما قدمت فيلمها "الإرهابي" أمام الفنان عادل إمام، الذي تم إنتاجه عام 1994. وعلى الرغم من ابتعادها عن الفن كممثلة، إلا أنها لم تبتعد كصديقة لكثيرين ممن كانوا ينادونها بـ"ماما"، مثل الفنانة يسرا التي ظلت مديحة على علاقة بها حتى آخر يوم في حياتها، وكذلك ظلّت مرتبطة بصداقة مع كل من الفنانين نجلاء فتحي ولبلبة وميرفت أمين وعزت العلايلي ونبيلة عبيد وسمير صبري، كذلك كانت تحرص على الظهور قبل إقامتها في المستشفى في بعض المناسبات، مثل التكريمات أو المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
كانت لمديحة تجربة في الكتابة السينمائية من خلال فيلم "وفاء"، الذي ظهرت فيه بشخصية الزوجة الوفية المخلصة، وكانت تهدف من خلاله إلى توجيه رسالة إلى الزوجات مفادها بأن زوجها لو مرّ بمرض ولم يعد قادراً على العمل فلا بد أن تكون خير سند له وتعمل وتنفق، ولكن من دون أن تجرح كبرياءه وكرامته كرجل. شاركها في بطولة الفيلم الذي أنتج عام 1953 كل من الفنانين عمر الحريري وعماد حمدي وعبد الوارث عسر، وكان من إخراج عز الدين ذو الفقار.
وجسّدت سمراء النيل على الشاشة السينمائية واقع المرأة المصرية وطموحاتها والحفاظ على تقاليد مجتمعها، وهو ما رسّخت له أيضاً تليفزيونياً، حيث قدمت ما يقرب من عشرين مسلسلاً، لعل أشهرها "هوانم جاردن سيتي" و"يحيا العدل" و"وداعاً يا ربيع العمر".
أكدت مديحة أنها اعتزلت مشاهدة الأفلام السينمائية المصرية لإيمانها أن العمل لا بد أن يحمل رسالة وهدفاً، فالسينما توثق حياتنا صوتاً وصورة، وأرجعت سبب عدم مشاهدتها أي فيلم مصري حالياً إلى احتوائها على ألفاظ خادشة وملابس عارية غير لائقة، ولا يوجد مبرر للإقبال على هذه الخطوة التي تسيء إلى سمعة الفن المصري.


أزمات في حياتها
تعلّمت الفنانة الكبيرة، واسمها الحقيقي هنومة حبيب خليل، أن تكون قوية حتى في أشد الظروف، وهو ما اتضح بعد تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لممتلكاتها بعد ثورة يوليو 1952، إذ كانت تمتلك مصنعاً، وفيلا، وشركة للإنتاج أسستها مع طليقها الفنان محمد فوزي، وعدداً من السيارات الخاصة، قبل أن تأتي رياح التأميم وتجرفها بعيداً عنها، ولكن لم تستلم مديحة وبعد أشهر عادت قوية، بعدما قدّمت أعمالاً عدة في الإذاعة الكويتية، لتكون بداية قوة بعد انكسار، فقدمت برامج للمرأة والطفل وحصلت على مبلغ عشرة آلاف دينار، وانتقلت بعد ذلك إلى العديد من الدول العربية، بعدما طلبها كثيرون للعمل في إذاعاتهم.
وإذا كانت مديحة قوية، فإن زوجها محمد فوزي لم يكن كذلك، خاصة بعد تأميم شركته "صوت القاهرة"، إذ أصيب بالسرطان حتى توفي. كذلك كانت وفاة نجلها من فوزي (عمرو)، وهو في عمر 26 عاماً، أزمة شديدة في حياتها، إذ توفي في حادث سيارة، وكانت تربطها به علاقة قوية للغاية، إذ كان كاتم أسرارها، وكتبت مديحة قصيدة رثاء فيه تقول فيها: "رفقاً بقلبي أيها الحاكي، فطيف ذكراه يسري في أعماقي وروحي نشوة لرؤياه، ليتني كنت ألقاه، وكيف أنساه ونبض قلبي ما زال ينبض بذكراه".



حياتها الأسرية
تزوّجت خمس مرات، مرتان منها بأحد المشاهير، إذ تزوجت بالفنانين محمد فوزي وأحمد سالم، وتعرضت للخيانة منهم جميعاً، عدا أحمد سالم، وأوضحت أنه الزوج الوحيد الذي أحبته لهذا السبب، وقد سبق لسالم أن كان متزوجاً من الفنانة أسمهان ووصفته مديحة بأنه كان شخصاً راقياً في تصرفاته معها وهذا يعود إلى تربيته المحترمة.
أما عن زواجها من الفنان محمد فوزي فكانت بداية ارتباطهما عام 1945، بعدما التقيا معاً في فيلم "قبلة في لبنان"، ثم شاركته في العديد من أفلامه، سواء في التمثيل أو الإنتاج.
وقد سبق أن قالت عنه مديحة إنه كان ذكياً للغاية ومتطلعاً إلى أن يكون في أفضل حال، لهذا أنشأ مصنعاً للأسطوانات، وكان أول فنان يقوم بعمل فيلم ملون، وهو "الحب في خطر" مع الفنانة صباح، ثم فيلم "نهاية قصة" معها، كما كان مؤلفاً أيضاً، إذ شارك في تأليف فيلم "من أين لك هذا" مع السينارست علي الزرقاني، وكان فوزي وقتها ممنوعاً من الحركة لإصابته بالتهاب رئوي شديد، وكان هذا العمل من أكثر أفلامه نجاحاً.

صدمت مديحة من خيانة زوجها فوزي لها، التي تحدثت عنها كثيراً، حتى إنها قالت إنها كانت تعلم الفتاة التي يخونها معها وكانت تراها وتُلقي عليها السلام وتقبّلها كأنها لا تعرف شيئاً، حفاظاً على كبريائها وكرامتها، وعلى الرغم من ذلك كان فوزي غيوراً للغاية عليها، حتى إنه بعد تصوير فيلم "الخطايا"، الذي جسّدت فيه شخصية والدة الفنان عبد الحليم حافظ، أراد حليم بعد الانتهاء من التصوير أن يسلم عليها ويقبّلها، إلا أن فوزي أحرجه بخفة ظل قائلاً: "لا.. في الفيلم بس".

المساهمون