"كفرناحوم" لنادين لبكي: سجالٌ عقيم

"كفرناحوم" لنادين لبكي: سجالٌ عقيم

28 مايو 2018
الرفيع ولبكي تحضيرًا للقطة من "كفرناحوم" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
فوزُها بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية، في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي، سببٌ لسجال لبناني حادّ يعكس وقائع العيش في بلد منقسم على نفسه بشدّة. مهاجمون يرون في الفوز استسلامًا لـ"الرجل الأبيض"، وخضوعًا لسطوة الغرب المحتاج، كما يرى هؤلاء، إلى نصوص يقولها أبناء هذا البلد، شرط أن تتلاءم ورغباته. مدافعون يرفعون سقف المواجهة، مُعتبرين أن الفوز حقٌّ، وأن المشاركة طبيعية، وأن المهاجمين عاشقون للموت والخراب والحروب. 

مساء 19 مايو/ أيار 2018، بدأ السجال اللبناني بين أناسٍ لم يُشاهدوا الفيلم، ولا يُدركون سرده الروائي، ولا يعرفون حكايته وشخصياته. هؤلاء يريدون سببًا لمزيدٍ من صدامٍ، فيستغلّون أي شيء أو أي أحد لإظهار براعاتهم في نقاشٍ غير مستندٍ إلى مشاهدة ومعرفة. مساء ذلك اليوم، أعلنت كايت بلانشيت، رئيس لجنة التحكيم، فوز "كفرناحوم" لنادين لبكي بهذه الجائزة، التي نالها اللبناني الراحل مارون بغدادي (1950 ـ 1993) عن "خارج الحياة" (1991)، في الدورة الـ44 (9 ـ 20 مايو/ أيار 1991) للمهرجان نفسه. إعلان الفوز في ثوانٍ عديدة، ثم خطاب لبكي ـ التي استلمت الجائزة من الممثل غاري أولدمان، والواقفة إلى جانب السوري زين الرفيع، مؤدّي الدور الرئيسي ـ كفيلان بإشعال نارٍ هي أصلاً غير منطفئة في بلدٍ مُصابٍ بخراب كبير.

المأزق الأساسي كامنٌ في أن مهاجمي الفيلم ومخرجته (التي "تتمتّع" بـ"فائض كراهية" من لبنانيين يتّهمون أفلامها بكونها "مسروقة"، ويرون أعمالها السينمائية دون أي مستوى مقبول) والمدافعين عنه لم يُشاهدوه، فعرضه في "كانّ" هو الأول دوليًا. تعليقات مليئة بتسطيح وتصنّع، باستثناء قلّة نادرة جدًا تمتلك وعيًا معرفيًا في قراءة المسائل وتحليلها، رغم أن هذه القلّة نفسها لم تُشاهد الفيلم، هي أيضًا.

هذا مأزق ثقافي وأخلاقي ومعرفي وإنساني. هذا كافٍ لنزع كل مصداقية عن كل كلام قيل في الفيلم ومخرجته، مهما تكن النوايا سليمة أو عدائية. هذا غير مبرَّر وغير مفهوم، إلاّ إنْ يتمّ ربطه بمنطق لبناني يستند إلى غريزة المواجهة لا فعلها الثقافي والفكري والتأملي والتحليلي، مع أن منتقدين قلائل لمهاجمي الفيلم يمتلكون حساسية الفكر السجالي السليم والهادئ، والقادرـ في الوقت نفسه ـ على تفكيك خطاب الطرف الآخر بعيدًا عن انفعالٍ أو تسرّع.

لن يكون الأمر مفاجئًا. بيروت غارقة في اصطفافات حادّة تمنع، غالبًا، كل كلام سليم وهادئ، أو تُخفِّف من تأثيره النقدي المطلوب. التشنّج غالبٌ. التقوقع سمة. الصراع مفتوح على الاحتمالات كلّها. هذا مُسبِّبٌ لارتباك واضطراب في مقاربة الإنتاج الثقافي والفني، وفي عيش اليومي أيضًا. الأفظع من هذا منعكس في تصرّف مدافعين عن "كفرناحوم" كردّة فعل ضد مهاجميه: هؤلاء غير متردّدين عن "شتم" نقّاد أجانب، لهم آراء سلبية إزاء فيلم "شاهدوه" في "كانّ".

إنها معضلة، والمعضلة اللبنانية تبدو عصيّة على أي حلّ ممكن.

المساهمون