ساندي شمعون: عندما فكّرتُ في الموسيقى الإلكترونية

ساندي شمعون: عندما فكّرتُ في الموسيقى الإلكترونية

27 مايو 2018
المهرجانات من أهم ما عرفته الموسيقى الإلكترونية مؤخراً(يوسف إسكندر)
+ الخط -
على المسرح، تجلس بين أعضاء فرقة "الراحل الكبير"، ترتدي نظاراتها السوداء، وتغنّي للشيخ إمام، إلى جانب أغاني الفرقة نفسها. في مشهدٍ آخر، تقدّم عرضاً أدائياً لافتاً لأغنية "كابوريا"، وأغاني أخرى من التسعينيات. هنا، حديث لـ"العربي الجديد" مع الممثلة والمغنية ساندي شمعون.

• يبدو أنّه لا مفرّ من الحديث عن الشيخ إمام، رغم أنّكِ سُئلتِ عنه كثيراً. عادت أغاني الشيخ إمام لتتصدّر الواجهة بعد عام 2011، أي بعد حدوث الثورات. كيف تجدين الدعوات إلى فصل الفن عن السياسة؟ هل هي واقعية ومنطقية في رأيك؟ ربما لو قلنا: فصل الفن عن الأيدولوجيا، قد تكون الجملة أدق؟ كيف نناقش هذه المسألة؟

بالنسبة لي، لم يعد الشيخ إمام وقت الثورة فقط، وهو ليس مرتبطاً بالسياسة والنضال وحسب. أعمال الشيخ وأداؤه حاضران دائماً في كلّ مرة نأتي بها على ذكر الموسيقى العربية. في ما يخص فصل السياسة عن الفن، أو فصل أي شيء عن الفن، هو فعلياً مفهوم، أو عبارة، مضادّة لـ الفن؛ يعني كأن نقول فصل السياسة، أو الأيديولوجيا، عن الحياة. لا يمكننا فصل شيء عن الفن.

• في حديث سابق لك، قلت إنّك تستعدّين لدراسة الموسيقى الإلكترونية في ألمانيا. هل بدأت؟ وعموماً، لماذا التوجّه إلى الموسيقى الإلكترونية؟ وهل فقدت "الموسيقى العربية"، بصيغتها الموجودة الآن، ممكناتها في اقتراح آفاق جديدة؟ ما هي ممكنات "الموسيقى العربية"؟
بدأت الدراسة والبحث في الموسيقى الإلكترونية. هذا التوجه هو فضول لاكتشاف إمكانيات إنجاز شيء في هذا النوع الموسيقي. في هذا السياق، لا شيء يمكن له أن يُلغي الآخر. لا تبدو لي فكرة أن وجود إنتاجات جديدة لنوع موسيقي معيّن، سيشكّل تهديداً لنوع موسيقي آخر، منطقية. عموماً، حتى لو أصبحتُ من صناع الموسيقى الإكترونية؛ فثقافتي الأساسية هي الموسيقى العربية. أجد في هذا الأمر تطوراً تفاعلياً من خلال العمل على موسيقى من نوع جديد.


• تحت مُسمّى الموسيقى الإلكترونية، نستمع أحياناً إلى كثير من "التّخبيص"، أو التلفيقات الموسيقية التي تدّعي أنها تمزج بين الشرق والغرب، وهي ليست سوى خليط (ليست مزيجاً).. لا نريد أن نُطلق أحكاماً قيميّة.. لكن ربما هذا جزء من واقع المشهد في العالم العربي عموماً. ما هي قراءتك لهذا المشهد، بسلبياته وإيجابياته.
في رأيي، لا بدّ للجميع أن "يخبّص"، وأن نستمع إلى كل التجارب التي تظهر الآن، بغضّ النظر عن إعجابنا أو حبّنا، أو عدمهما. أعتقد أن المشكلة في الموضوع، خصوصاً في ما يخص الموسيقى الإلكترونية في العالم، والعالم العربي، أن جيلنا الجديد لا يوجد لديه مرجع لهذه الموسيقى، وهناك تكرار كثير يمكن ملاحظته. ربّما، مع الوقت، ستتطور هذه التجارب وتنضج، وتقلّ ظاهرة كثرة الإنتاجات المتشابهة والمكرّرة.



• عرفناك كمغنية أساسية في فرقة "الراحل الكبير". أغانٍ ساخرة أيضاً، ونقدية كذلك، تتناول الشارع العربي وما يحدث فيه، ضمن قوالب موسيقية مألوفة، رشيقة، و"مهضومة".. كيف يبدو هذا المزيج لكِ؟ سخرية ونقد وموسيقى قريبة ليست متعالية.. ما هو سرّه؟ ربما هناك فرق كثيرة، في مصر خصوصاً، تحاول أن تعمل ضمن التوليفة نفسها. لماذا خاطرت "الراحل الكبير" وتمسّكت بهذه التوليفة؟
سرّ "الراحل الكبير" يكمن في اندماجنا مع بعضنا بعضاً، وكيفية فهمنا لبعضنا. ما يمنحني الثقة الكبيرة في العمل ضمن الفرقة، وفي مشروعها؛ هو أنّ هناك ستة أشخاص مستعدّون لأن يغامروا، ويخوضوا تجارب، ويعرضوها بثقة، بغض النظر عن ردّ فعل أحد. من الصعب جداً، في عالمنا العربي، أن تجرّب، كما أنّ أخطاءك ستجعلك عرضةً لإطلاق الأحكام عليك. قبل شهرين، خسرنا أحد أهم أعضاء "الراحل الكبير"، عماد حشيشو، وهو من مؤسّسي الفرقة.


• لماذا لا نستمع إلى ساندي شمعون تغنّي أعمالاً خاصة بها وحدها؟ هل من مشروع في الأفق؟
 هذا ما أجرّب العمل عليه هذه الفترة؛ فترة البحث من أجل المشروع الخاص. الخطوة الأولى دائماً صعبة، لكن هذا هو الهدف الأساسي الآن.



• في عرض عنوانه "الولادة 88"، أدّيتِ، قبل عامين، أعمالاً تنتمي إلى الثمانينيات والتسعينيات، مثل "كابوريا". ماذا تجدين في تلك الفترة، موسيقياً وفنياً؟ ماذا تمثّل لك تلك المرحلة؟
عندما فكّرت في الموسيقى الإلكترونية، وسبب انجذابي إليها، عُدت بالذاكرة إلى الوراء: أين استمعت، لأول مرة، إلى الموسيقى الإلكترونية في مادّة غير الألعاب؟ تلك الحقبة عرفَت كثيراً من تجارب البوب والفانك العربيين. نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات هي أول أصوات إلكترونية سمعتها في الموسيقى. كان البوب في تلك الفترة يعيش مرحلة بحث وتجارب مثيرة جداً، خصوصاً في مصر. إلى جانب ذلك، كان كل من الأداء والصورة للفنانين، آنذاك، جريئين للغاية. لكنها، أيضاً، بقيت في إطارٍ "مهذّب" وكلاسيكي ليناسب التلفزيونات العربية. تساءلت: إذا كنتُ فنانة بوب في ذلك الوقت، كيف كنت سأبدو؟ حاولت دفع الشخصية إلى مكان بعيد عن الكلاسيكية و"الإتيكيت" اللذين يلتزم فيهما الفنانون العرب التجاريون. يُضاف إلى الأداء وشخصية الفنانة، طبيعة الموسيقى أيضاً واللعب معها، وأخذها إلى مساحات قُصوى في الإلكترونيك والبوب. لم ينتهِ المشروع بعد، وأعمل على تطويره.


• وإذا رجعنا بالزمن أكثر وأكثر.. إلى أم كلثوم، الشيخ زكريا أحمد، القصبجي، السنباطي، صالح عبد الحي، عبد المطلب، اللبيدي.. إلخ. هل ثمة ما يهمّك في تلك الحقبة؟ ما الذي تستمعين إليه في الموسيقى الكلاسيكية العربية (مصر، الشام، العراق..) ومن المغرب العربي؟
طبعاً ثمة ما يهمّني، فهذه الموسيقى التي عشت معها. والأمر لا يتعلّق فقط بأهمية تلك الموسيقى والألحان والكلمات والأصوات الجبّارة؛ فأم كلثوم، بالنسبة لي، تمثّل الحرية عبر الغناء والسلطنة التي كانت تعيشهما، هذا مهم للغاية. أتمنّى، يوماً ما، أن تكون لدي هذه الحرية. بالنسبة إلى ما أستمع إليه، ففي كل فترة أواظب الاستماع إلى تجربة معينة، إلى أن أواجه هوساً جديداً. هذه الفترة، الشيخ محمد عمران هو الهوس.


• درَجَت أغاني "المهرجانات" المصرية.. وكثير من الفنانين نقلوها من البيئة التي جاءت منها إلى بيئة تعتبر نفسها "أعلى" قليلاً. كيف تنظر ساندي شمعون إلى تجربة "المهرجانات" نفسها وطبيعة مكوّناتها الاجتماعية والموسيقية؟ كيف تنظرين إلى نقلها من بيئتها نحو بيئة اجتماعية أخُرى، ربّما كانت تنظر باستعلاء إلى "المهرجانات" ومغنّييها؟ هل يمكن أن تخوضي التجربة؟
"المهرجانات" هي من أهم ما عرفته الموسيقى الإلكترونية في العالم العربي مؤخراً. التجارب التي تُحيط بـ "المهرجانات"، أيضاً، مهمّة للغاية، ومهم أيضاً كيف استطاع بعض المشاريع نقل "المهرجان" إلى بيئتها وموروثها الموسيقيين، مثل مشروع "الإخفاء"، وهو من أهم وأجمل المشاريع التي أُنجزت مؤخراً. أما أنا شخصياً، فلا أرى نفسي أغنّي مهرجاناً، لكنّني بالتأكيد تأثّرت بهذا اللون، وأصبح جزءاً من مخزون وتاريخ وتطوّر الموسيقى والأصوات التي في رأسي.



• تُسيطر بعض القضايا على خطاب بعض الفرق. يجد بعض النقّاد أن هذه القضايا تتخذ طابعاً ليبرالياً بعض الشيء، بعيداً عن جوهر مجتمعاتنا ومعاناتها الحقيقية. قضايا تخص مستوى آخر من الحريّات، مثل الحريات الجنسية. لا يحاول هؤلاء النقّاد التهميش من هذه القضايا، لكن يجري تصديرها أحياناً وطرحها كقضايا أساسية في منطقة ما يزال فيها الصحافي يُسجن لرأي، والمواطن بالكاد يؤمن لقمة عيشه، وأحياء فقيرة وأطفال بلا تعليم.. ورقابة أصلًا على ما يُكتَب وما يُغنّى. و.. و.. إلخ. كيف تنظرين إلى هذه المسألة/الجدل؟
الحرية لا تتجزّأ. وبالتأكيد، حين يعيش فنّان ما تحت ضغط هويته الجنسية، أو أي شيء يخص حريته الشخصية، لا بدّ من أن يكون الصوت أعلى، ونزعج العالم في الأمر. من يحدّد جوهر مجتمعاتنا؟ ومن يحدّد حقيقة معانتنا؟ هذا هو التهميش الحقيقي؛ أي حين يتعرّض أحدهم إلى قمع، ويأتي "حكيم المجتمع" ويقول له: أشعر بك، لكنه ليس وقتك الآن! هل إذا سكتنا على القمع ستقف الحروب؟ وسيستطيع الفقير تأمين لقمة عيشه؟ طرح المسألة بهذه الطريقة هو الشكل الحقيقي للقمع والديكتاتورية اللذين نمارسهما، نحن، على أنفسنا، قبل الرئيس أو السلطة.


• جئتِ من المسرح، ولك تجربة في التمثيل، في فيلم "بيت البحر"، والآن في الغناء. يرتبط الغناء بالمسرح، وبالتمثيل.. هل من عودة إلى التمثيل؟ أم أن الغناء والموسيقى هما الطريق؟
أنا مؤدية، وأعمل في مجال فنون الأداء، وأميل أكثر إلى التمثيل. فعلياً، لم أترك التمثيل، بل ما زلت أخوض تجاربي الأولى فيه، إلى جانب الغناء، وكل ما يخص فنون الأداء. لا أظن أنّني سأضع نفسي في إطار الغناء فقط، أو التمثيل فقط. كل الاحتمالات مفتوحة.



• ما هو المشروع المُقبل؟ 
التركيز الأكبر الآن على مشروع خاص بي، في طور التنفيذ، إضافة إلى عمال جديدة مع "الراحل الكبير"، كما سأشارك في عرض مسرحي خلال الصيف.

المساهمون