زينة المآذن في إسطنبول

زينة المآذن في إسطنبول

25 مايو 2018
عام 1925 مُنع رفع الأذان في آيا صوفيا (Getty)
+ الخط -
من يتجوّل في مدينة إسطنبول، سيلاحظ أن هناك عدداً كبيراً من المآذن المُشيّدة فيها؛ ففي المدينة هناك قرابة 3269 مسجداً، وفي تركيا ككل ثمة 84 ألفاً و684 مسجداً. قبل استقبال شهر رمضان بثلاثة شهور، تشهد المآذن ما يُشبه طقساً يُسمّى بـ المحيا؛ وهو عبارة عن إصلاح وطلي وتزيين للمآذن، استعداداً لاستقبال الشهر الفضيل.

هناك فريق متخصّص يتصدّى لهذه المهمة، يقوده قهرمان يلدز (62 عاماً)، باذلين جهوداً حثيثةً من أجل استمرارية هذا "الطقس" الذي توارثوه منذ أيام العثمانيين. يُعلّق الفريق زينةً على شكل أضواء ما بين المآذن، على شكل عبارة معينة، مثل بسم الله أو ما شاء الله، أو على شكل رمز معين، كالهلال.

انطلق يلدز وفريقه قبل ثلاثة شهور، لكن انطلاقته في هذه "المهنة" كانت قبل 43 عاماً. كان المحيا مرتبطاً بمناسبات دينية مختلفة، وليس رمضان وحسب. يقول يلدز: "في يومنا هذا، يتم تعليق المحيا، خلال شهر رمضان فقط، وقد أشرفت حتى الوقت الراهن على تركيب حوالي 2000 محيا، وأواصل عملي في تركيا بشغف".

يوضح: "المحيا فنّ وتراث عثماني قديم يعود إلى 450 عامًا، حيث كانت الجوامع في تلك الحقبة تُزيّن بمصابيح زيتية، وكان جامع السلطان أحمد في إسطنبول مكان ولادة هذه الثقافة الجميلة"، لافتاً إلى أن هذا الطقس أوشك على الاندثار بسبب عدم وجود إقبال على تعلّمه ومواصلة العمل فيه؛ فقد يكون فريقه الممثل الأخير له.

شهدت المساجد في تركيا، بعد إلغاء الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية عام 1923، تضييقاً على دورها والمهام التي كانت تقوم بها، سواء الروحية أو الاجتماعية أو السياسية. في عام 1925، مُنع رفع الأذان وأداء الصلاة في أيا صوفيا، التي تعد رمزاً لفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح. وفي نفس العام، قررت الحكومة التركية الجديدة بزعامة مصطفى كمال أتاتورك تحويل القرآن الكريم إلى اللغة التركية وقراءته بها بدلاً من العربية.



وفي فترة حكم عصمت إينونو، الذي جاء بعد أتاتورك، تم تحويل المساجد إلى إسطبلات، أو بيعها. وفي قانون الموازنة العمومية الذي صدر عام 1927، وردت مادة متعلقة بما سُمي في ذلك الحين "مشكلة الجوامع في تركيا"، تقول المادة إن تركيا تملك الكثير من الجوامع، وأكثرها فائض عن الحاجة، ولذا يجب إغلاق أو تدمير العديد من المساجد، ومنذ ذاك تلاشى المحيا ليعود خلال العقد الأخير وتُزيّن المآذن.

والسؤال، كيف يتم إصلاح وطلاء هذه المآذن الكثيرة بتركيا؟ فإن فرضنا أن لكل مسجد مئذنتين فقط، فنحن أمام 170 ألف مئذنة كحد أدنى. الإجابة تأتي من خلال أحد أعضاء فريق يلدز، توران ماطور، وهو شخص لا يخاف المرتفعات ويعمل منذ عشرين عاماً في هذه المهنة: "أتسلق المآذن بواسطة أسطوانة، ﻷتمكن من التحرك بحرية في اﻷعلى والتحرك بمرونة وسلاسة في أثناء عملي بالإصلاح أو الدهان".
مكّنت هذه المهنة ماطور من التجول في الولايات التركية: "جعلتني مهنتي أجوب أنحاء البلاد وأتعرف إليها، في حين لو لم أكن أعمل ذلك لن أستطيع التعرف على ولايات بلدي تركيا؛ فقد ذهبت إلى أنطاليا وريزة وغيرها، وعملي موسمي فهو ليس مستمراً، وينشط في الصيف".
ويشير توران إلى أنه يُطلق عليه لقب العنكبوت لأن طبيعة عمله تجعله يتحرك ويتنقل كالعنكبوت، وإلى أنه لا بد من الانتباه لمخاطر المهنة قبل اختيارها، فهناك الكثير من المهن، أو أماكن العمل، التي من الممكن أن تكلف المرء حياته.


دلالات

المساهمون