سيناريو الفيلم المغربي: الشخصية قبل القصة

سيناريو الفيلم المغربي: الشخصية قبل القصة

25 مايو 2018
من "وليلي" لفوزي بنسعيدي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
في النقاشات الدائرة حول الأفلام المغربية الأخيرة، هناك أسبقية للشخصية على القصّة في السيناريو. برمج منظّمو الدورة الـ19 (9 ـ 17 مارس/ آذار 2018) لـ"المهرجان الوطني للفيلم في طنجة" قسم "ماستر كلاس" حول رسم الشخصية. الملاحظ أنّ أفلامًا جديدة فيها شخصيات كثيرة تظهر في فترات زمنية متقاربة: "غزية" لنبيل عيوش و"بورن آوت" لنور الدين لخماري و"الفراشة" لحميد باسكيط و"ولولة الروح" لعبد الإله الجواهري و"دوار البوم" لعز العرب العلوي.

في هذه الأفلام، هناك 5 شخصيات يقدِّم كل فيلم منها معلومات قليلة عنها، وتقوم بوظائف وأفعال أقلّ. شخصيات كثيرة ببورتريهات عمومية. أحيانًا، عند توزيع الجوائز، يُثار جدلٌ حول من هو صاحب الدور الأول ومن هو صاحب الدور الثاني.

بالتركيز على شخصية في أزمة سيكولوجية لا سلوكية، يضع السيناريست المشكلة في "جمجمة" البطل. بذلك، يعقِّدُ مشكلة المخرج. على هذا الأخير أن يجد لغة بصرية ليُشاهد المتفرج تتابعَ صورٍ وأحاسيس، في حال تلصلصت الكاميرا على الجمجمة. لكن التركيز على بورتريه الشخصية يُغيِّب الحدث، بحيث لا يظهر برنامج الشخصية وأفعالها، ولا الإشكالات التي تعمل على حلّها. كما لا يظهر لهذه الشخصية خصمٌ محدّد يخلق الحدث. هذا الحدث ـ الفعل هو الفيلم.

الحدث يُغْني ويغيّر الشخصية ويجعلها تتطوّر. تتعرّض الشخصية لاختبارات، فنكتشف معدنها وردود أفعالها. السرد أفعال وأحداث. الشخصية هي ما نحصل عليه في نهاية الفيلم. الحدث وردّ الفعل يجب أن يصنعا التوتر، ومن دون توتر، لا توجد دراما. التوتر محرِّكٌ للطاقة السردية. معظم الأفلام التي تركّز على الشخصية تفتقد تلك الطاقة. لذا، لا تتطوّر أحداثها. النتيجة؟ يقلّ تشويقها، وبالتالي جمهورها، فلا تصمد في القاعات، أو يخجل المُشاهد فلا يذهب إلى القاعة أصلاً.



ينتج عن التركيز على الشخصية وضع ثابت (ستاتيكو)، من دون تطور ودينامية. يبدأ الفيلم بشخصية ناجزة ومنتهية، ويبقى مزاجها ومظهرها جامدين حتى نهاية الفيلم. يُثْبت هذا أن الحبكة أهمّ من الشخصية. ثم أنّ الحبكة تسمح بتقديم تنقلّ الشخصية بين أمزجة مختلفة، تبعًا لوقائع تعيشها. في رحلتها هذه، ماذا تفقد الشخصية وماذا تكتسب؟

هكذا تتحوّل الشخصية. تولد أخرى من اختباراتٍ تبرّر التحوّل. حين تغيب القصّة، يغطّي السيناريست النقص بإكثار المواضيع الثانوية التي تشوّش على الموضوع الأساسي. الأخطر من هذا كلّه هو شخصيات لا تجمعها قصّة، رغم أن وجود قصّة يُسهِّل المونتاج، لأن هناك تتابعًا سببيًا للقطات. هذا يُمكِّن الفيلم من التماسك، بل ويخفِّض تكاليف التصوير. تجذب القصّة الجمهور أكثر من النجوم والميزانيات والترويج. ذكر غبريال غارسيا ماركيز أن كتابةَ سيناريو تقنيةٌ قابلةٌ للتعلّم، أما كتابة قصّة فلا تُعلَّم ("ورشة سيناريو: كيف تحكي حكاية؟"، ترجمة صالح علماني، "دار المدى"، دمشق، 2008، ص. 123).

القصّة مفيدة، حتى في الفيلم الوثائقي، كما في "منزل الحقول" (2017) لتالا حديد. فالسرد فيه أكثر تماسكًا. مرور الزمن أوضح من أفلام تخييلية كثيرة. نرى شظف العيش وتراكم تجاعيد الشقاء على أيدي الأمهات. نرى اقتصاد الجبل في الفصول كلّها، ومرور الزمن فعّال على المشهد ومؤثّر على المتفرّج، ويُقنعه بحافز الشخصية. الحافز لدى الطفلة فرارٌ من الحقل للذهاب إلى الدار البيضاء. الرحيل مهرٌ مناسب للهروب من الجبل. هذا ملائم لشخصية صغيرة السن مستقبلها أمامها.

الحدث يُملي عمر الشخصية ومزاجها. مثلاً: في "نيبراسكا" (2013) لألكسندر باين، ينبع التشويق من كون الحدث يقوم به رجل على وشك الخرف. لن يصدق المتفرّج شابًا يتعرّض للتجربة نفسها.

بسبب الخوف من اتباع شخصية واحدة فاعلة حتى الحافة، يتم استخدام شخصيات عديدة، متساوية الأهمية. هذا يؤدّي إلى "تغييب" البطولة. يحصل بطل الفيلم المغربي الهشّ على مساحة أقلّ، حتى أن شخصية ثانوية تغطّي على بطل فيلم "بورن آوت" للخماري، فهو (بطل الفيلم) لا يركل بقدميه، مثلاً. هو مسكين رغم أنه ملياردير. أما بطل "وليلي" لفوزي بنسعيدي فيتعرّض للركل والصفع بطريقة غريبة. بينما يظهر بطل فيلم "الحنش" لإدريس المريني طيّبًا جدًا، وهو مختلف عن بطل "عرق الشتا" لحكيم بلعباس، الذي يظهر مسحوقًا.

هكذا يتصرّف بطل الفيلم المغربي تحت سقف الجماعة. يتبنّى ذوقًا عموميًّا، ويمسك العصا من وسطها. في الفنّ، الحلول الوسطى كارثة. يندر صراع "وغدين" في الفيلم المغربي. لا يوكل البطل السينمائي أمره إلى أحدٍ، بل يتمرّد على بيئته، وينهض ليضرب خصمه.

في السينما، تؤدّي المصاعب إلى تصليب البطل، ودفعه إلى المغامرة. في الثقافة الدينية، تؤدّي المصائب إلى "الدروشة". لذلك، يعاني بطل الفيلم المغربي فائض "دروشة" وقبول المكتوب والطيبة. إنه يتصدّق، ولا يحزن كثيرًا ولا يفرح كثيرًا، ويلعن الشيطان دائمًا. إنه يدبّر تعاساته بمسكنةٍ، ويفسّرها بالحظ والصدفة فقط، لا بالسياق الاجتماعي والسياسي.

حين يغيب التفسير السببي، تصير القصص غامضة ومملة.

المساهمون