"جسر المسيّب"... أغنية حُلوة لواقع مُر

"جسر المسيّب"... أغنية حُلوة لواقع مُر

21 مايو 2018
كان يفترض أن يكون هذا الجسر معلماً سياحياً(العربي الجديد)
+ الخط -
قد يكون جسر المسيّب هو أشهر جسور العراق، فأغنية "على جسر المسيب سيبوني" لم تتوقف عند المطرب العراقي ناظم الغزالي، إنما أصبحت ضيفاً لدى غالبية المغنين العرب وحفلاتهم، حتى أصبحت أيقونة للفن ونغمة تتناقلها الأجيال، لكن حقيقة الجسر لا يعرفها إلا أبناء مدينة المسيب. 
ويعود جسر المسيب إلى الحقبة العثمانية، أو أقدم بقليل؛ فقد شيّد أول مرة بطريقة بدائية وكان من الخشب، يطفو فوق نهر الفرات، وفي العهد الملكي استُعمل الحديد في إعادة بنائه، وافتتحه رئيس الوزراء آنذاك جميل المدفعي، في عام 1938. وشهد الجسر خلال الأعوام الأخيرة فترة النكسة من عمره، فالإهمال قد أكل من جسده أعضاء كثيرة، ولم يبق منه سوى أطلال قد تسقط في لحظة، وتصبح تحت ماء الفرات.

تقع مدينة المسيب العراقية في محافظة بابل، ضمن منطقة تسمى "الفرات الأوسط"؛ حيث قلب العراق المتجه نحو الجنوب. يقدّر عدد سكانها بـ100 ألف نسمة. تقع على ضفاف نهر الفرات، ويشطرها نصفين بين مدن بغداد وكربلاء والحلة.



ومن حسنات منطقة الجسر المنكوب، أن النخيل والأشجار ممتدة على مدى البصر، ما يُضفي على المشهد مزيداً من الشاعرية. يحيط الجسر طابع شبه ريفي والناس يمارسون أعمالهم بطمأنينة كاملة، فكل شيء في هذه المدينة يحمل الأصالة ويحكي تاريخاً عميق الجذور. والمقاهي تُشكّل مجالس لكثير من الناس يلتقون فيها ويضربون المواعيد ومن خلالها يتعرفون إلى أخبار بعضهم، وتلك الحال نجدها في أكثر مناطق العراق الزراعية، على عكس العاصمة بغداد ومناطق شمال البلاد التي تكاد المقاهي فيها تندثر.



يقول وعد القصاب (33 عاماً)، وهو من أهالي مدينة المسيّب، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إن "جسر المدينة أو كما نسميه نحن أهل هذه المنطقة الجسر الأخضر، نسبة للونه، هو من أقدم جسور البلاد، وليس فقط مناطق وسط العراق وجنوبه، إلا أن الإهمال الذي يعانيه يفوق المعقول... لو كان هذا الجسر القديم في بلدٍ يحترم التاريخ ومراحل التطور البشري والعمراني، لكان معلماً حضارياً وسياحياً، لا سيما وهو الشهير والمعروف عربياً وحتى عالمياً بفضل أغنية على جسر المسيب سيبوني".



عبد الله الشمري، وهو رجل عمره تخطى حاجر الستين عاماً، يؤكد في حديثه إلى "العربي الجديد": "لم يلق الجسر اهتمام الحكومات المحلية التي تعاقبت على حكم مدينة بابل وتحديداً قضاء المسيب، فقد كان الجسر ينعم باهتمام نسبي من الحكومات السابقة التي سبقت الاحتلال الأميركي عام 2003، فقد كانت فرق التنظيف موجودة وتعمل بشكل دائم، بالإضافة إلى وفود أسر من مناطق متفرقة من البلاد للاصطياف على النهر ويتم اصطياد السمك من تحته وسط أجواء عائلية رائعة".


ويشير أحمد الجنابي (45 عاماً)، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "التفجير الكبير الذي تعرضت له مدينة المسيب في عام 2004، والذي عُرف بحادثة الصهريج، حيث انفجرت شاحنة ملغومة بأنواع مختلفة من المتفجرات وأبرزها مادة "سي فور"، أدى إلى أضرار في الجسر، وأثبتت فرق هندسية تابعة لقضاء المسيب، تحرك الجسر واهتزازه أثناء حدوث الانفجار، الأمر الذي يهدده بالانهيار".

ويؤكد إبراهيم المصري، وهو مصري الجنسية، أربعيني، يعمل في المسيب منذ عشرين عاماً، ويلقبه الأهالي بـ"الكدع" نظراً لشهامته وحبه للعمل، في تصريحاتٍ إلى "العربي الجديد"، أنه يقول لأخوته في مصر، إنه يعمل بالقرب من جسر المسيب الشهير، ويصر الإخوة دوماً على إبراهيم بأن يصوّر لهم الجسر، لكنه "يتهرّب" من هذا الفعل، لأن شهرة الجسر تجعل المواطن العربي يقول في سره: "ما أعظم الجسر"، إلا أنه في الحقيقة مريض ولا بد من علاجه.
ويبدو حال المقام العراقي كحال الجسر أيضاً؛ فالجسر ارتبط بالأغنية، والعراق مرتبط بمقاماته، وكلاهما، المكان ومقاماته، يتعرّضان للتشويه، والنسيان.









دلالات

المساهمون