فلسطين في برلين

فلسطين في برلين

09 ابريل 2018
محمد ملص (فيسبوك)
+ الخط -
حدثان عربيان في برلين. أحدهما سينمائيّ، والآخر إنساني وأخلاقي، يُحتفى به سينمائيًا. "مهرجان الفيلم العربي ببرلين" يُنظِّم دورته الـ9 بين 11 و18 أبريل/ نيسان 2018، قبل الذكرى الـ 70 لـ"نكبة فلسطين" (15 مايو/ أيار 1948). أحد الحدثين متمثّل بنشوء كيان إسرائيلي على أرض يحتلّها الصهاينة بقتلهم فلسطينيين وتشريد آخرين. حدث هو جزءٌ من تاريخ وذاكرة، لن يتجاوزهما المهرجان السينمائي العربي. 

الاحتفاء بالذكرى المؤلمة سينمائيٌّ، لكنه مفتوح على وقائع الخراب والاحتلال والقتل المستمرّ منذ بدايات القرن الـ20 حتى الآن.

السينما حاضرةٌ، منذ بداياتها تقريبًا، في المشهد الفلسطيني. تواكب مفاصل تاريخ البلد ومسارات ناسه. تؤرِّخ ـ بالصورة والصوت ـ منعطفات ومآزق وانكسارات وخيبات. تتابع نضالات أفرادٍ يصنعون معجزة البقاء على أرض آباء وأجداد، رغم مصاعب المواجهة، وتكلفتها البشرية الباهظة؛ ولآخرين مغتربين ومنفيين، بمآزقهم وأسئلتهم ومعاناتهم، وأفراحهم أيضًا. السينما حاضرةٌ لأنها الأقدر على التوثيق والسرد. ومع أن نتاجاتها ليست كلّها ذات سوية جمالية متشابهة، إلاّ أنها شهادات مُصوّرة عن جريمة احتلال، وبهاء مقاومة.

الاحتفاء بذكرى النكبة الفلسطينية في برلين يزداد أهمية. اختيار السينما إضافة ثقافية وفنية وأخلاقية. مواجهة القتل الإسرائيلي بالصورة الفلسطينية ليست عابرة. أفلام كثيرة، نضالية وفنية وسينمائية، تُتقن فنّ المواجهة والتحدّي. تستقي حكاياتها من أحوال الناس في يومياتهم المختلفة، وتذهب مع المقاومين في رحلات تكتب فصولاً من تاريخ وذكريات، وتبقى مع أبناء البلد في مدنهم وقراهم، فتوثّق مسالكهم في مقارعة المحتلّ.

الاحتفاء بالذكرى الـ70 للنكبة في "مهرجان الفيلم العربي ببرلين" متواضعٌ. أفلام قليلة، مُنتجة في أعوامٍ مختلفة، ومحاضرات تغرف من الآنيّ ما يساهم في مزيدٍ من التوضيح الموثّق. هذا مطلوبٌ. الجمهور الألماني معنيّ بالمسألة، لإدراكه معنى العنصرية في نشر الرعب والموت، ولقناعته بإمكانية تحرير الأرض والعقل من قذارة الجريمة. الأفلام المختارة ـ "السطح" لكمال الجعفري و"المنام" لمحمد ملص و"فلسطين في العين" لمصطفى أبو علي ـ تمنح المُشاهِدَين العربي والألماني معالم صُور فلسطينية في أزمنة مختلفة، وبأساليب مختلفة. المخرجون الـ3 منتمون إلى بيئات ـ زمنية ومكانية ـ متنوّعة، وفلسطين جامعةٌ لهمومٍ مشتركة بينهم.

هذا ليس تفصيلاً. صحيحٌ أن النتاج السينمائي الفلسطيني غنيٌّ وعميقٌ ومتنوّع؛ وأن الاختيار صعبٌ؛ وأن 3 أفلام غير قادرة على اختزال فلسطين، أو تكثيف حكايات ناسها. لكن الاختيار يمنح المهتمّ صُورًا عن فلسطينيين يُقارعون الأقدار لتحصين الذاكرة من كل اندثار، ويواجهون الموت من أجل بلد هو بلدهم، ومن أجل ناس هذا البلد وهم ناسهم.

يبقى الاحتفاء بسينما فلسطينية الأبرز في المهرجان، لقدرة السينما على ابتكار أشكال بديعة من الصُور والسرديات والتوثيق.

دلالات

المساهمون