"ترانزيت" لكريستيان بيتزولد: أشباح الماضي

"ترانزيت" لكريستيان بيتزولد: أشباح الماضي

25 ابريل 2018
من "ترانزيت" لكريستيان بيتزولد (فيسبوك)
+ الخط -
بين ماضي الاحتلال النازي لفرنسا وأجواء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وراهن العالم المتبدّل والمرتبك، يحاول المخرج الألماني كريستيان بيتزولد (1960) إيجاد مشتركٍ سينمائي، دراميًا وجماليًا وفنيًا، لقراءة حالة إنسانية، تتمثّل بالهجرة. ففي "ترانزيت" (2018)، يتابع مسارات أناسٍ يفرّون من جحيم الفاشيات المتسلّطة على بلاد ومجتمعات، ويسعون إلى هجرة إلى القارة الأميركية، عبر المدينة الفرنسية مارسيليا. 

المفارقة كامنةٌ في أن هؤلاء الأفراد أنفسهم يظهرون اليوم في تلك المدينة الفرنسية، رغم أنهم يجتهدون لإنقاذ حيواتهم من أنظمة فاشية قديمة. غير أن المقارنات تكشف تشابهات بين فاشيات الأمس واليوم، التي تُسبِّب عنفًا وتعذيبًا وقسوة وتمزّقات لأناسٍ يبغون سكينةً واطمئنانًا وحياة هانئة.

بين أولئك الفارين من أجل غدٍ أفضل، هناك الألماني غيورغ، الذي ينتحل شخصية كاتب يُدعى فيدال، ينتحر كي لا يبقى أسير مضطهديه. يستفيد غيورغ من تأشيرة الدخول إلى المكسيك، التي يحملها فيدال. لكن، كلّ شيء يتبدّل عندما يُغرم بماري الغامضة، الباحثة بشكلٍ يائس عن رجلٍ تحبّه، ولن تغادر من دون العثور عليه.



بعد بدء العروض التجارية الألمانية لـ"ترانزيت"، تردّدت مفردة "أشباح" في مقالات نقدية مختلفة، انطلاقًا من استعادة بعض أبرز الأفلام السابقة لكريستيان بيتزولد، خصوصًا "باربرا" (2012) و"فونيكس" (2014)، اللذين كانا سبب شهرته في فرنسا.

في "باربرا"، يتناول بيتزولد سيرة طبيبٍ ألماني من "الجمهورية الديمقراطية الألمانية" (أيام الانقسام الألماني بين شرقية وغربية)، يجد مأوى لدى سيدة تدعى نينا هوس، بانتظار تمكّنه من اللجوء إلى الغرب. وفي "فونيكس"، هناك امرأة مُشوّهة، تنجو من المحرقة النازية: "دائمًا، يعشق هذا المخرج تصوير الأشباح. شخصيات تتجوّل بين حقبات عديدة وأنظمة مختلفة، وبين الشرعية والتخفّي، وبين الواقع والمتخيّل"، كما أجمع نقّاد ألمان، أشار بعضهم إلى أن أشباح "ترانزيت" منعكسةٌ في "وجوه لاجئين من دون أوراق ثبوتية". والفيلم (تبدأ عروضه الفرنسية في 25 إبريل/ نيسان 2018) نتاج رهانٍ "محفوف بالمخاطر" لكنه "ناجح".

يُذكر أن كريستيان بيتزولد اقتبس فيلمه عن رواية بالعنوان نفسه للكاتبة الألمانية آنا سيغرز (1900 ـ 1983)، صادرة عام 1944، ومستوحاة من التجربة الشخصية للكاتبة: بدافع فرارها من النازيين عام 1941، تمرّ الكاتبة في مرسيليا أثناء سفرها إلى المكسيك. في المدينة الفرنسية، تلتقي كلّ من أُجبر على التخلّي عن كلّ شيء، مثلها، الذين تتعلّق نجاتهم بالحصول على تأشيرة دخول إلى إحدى دول الأميركيتين.

المساهمون