زهيرة زقطان لـ"العربي الجديد": كل تطريزة فلسطينية حكاية ودعاء

زهيرة زقطان لـ"العربي الجديد": كل تطريزة فلسطينية حكاية ودعاء

الدوحة

أسامة سعد الدين

أسامة سعد الدين
أسامة سعد الدين
صحافي سوري، مراسل "العربي الجديد" في قطر.
26 مارس 2018
+ الخط -
تنشغل التشكيلية والباحثة الفلسطينية، زهيرة زقطان، بموضوعة الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي والفكري والتاريخي الفلسطيني، وذلك في أعمالها ذات الجماليات المتنوعة في التطريز، وتبدو لوحاتها عالية القيمة، سيما وأن موروثات كنعانية ونصوصاً شعرية حديثة تحضر بين التشكيلات التي تنسجها في أعمالها تلك. فزهيرة زقطان باحثة في الكنعانيات القديمة، ولها كتاب في هذا الخصوص، كما أنها شاعرة وكاتبة قصة قصيرة. شاركت قبل أيام في فعاليات أسبوع التطريز الفلسطيني في الدوحة الذي نظمته مجموعة شباب الروزنا، بمعرضها "ذهب السابقين"، في مؤسسة الحي الثقافي "كتارا"، وعن عالمها الإبداعي تحدثت لـ "العربي الجديد".

ما سر تسمية معرضك أخيراً في الدوحة، بـ"ذهب السابقين"، ما الذي ترمين إليه ومن المعرض نفسه؟
نحن الفلسطينيون خائفون دائماً من الأشياء التي سرقت، والتي ستسرق أيضاً. وقد وجدت في نص الشاعر محمود درويش "ذهب السابقين" ما يعبر عن وجهتي ومقصدي. ودرويش هو شاعر الوطن المتقدم في المقطع الشعري الذي ترد فيه هذه التسمية بالذات، عندما أرادنا أن نحفر من البداية، لأنه يخشى على ذهب السابقين من السرقات، ويخشى عليه من العابرين الغزاة، يقول: "أَخافُ على حُلُمي من وضوح الفراشةْ، ومن بُقَعِ التوت فوق صهيل الحصان، أَخافُ عَلَيْهِ من الأب والابن والعابرينْ، على ساحل الأبيض المتوسِّط بحثاً عن الآلهة، وعن ذَهَب السابقين". يكاد يكون المقطع في كل لوحاتي المطرزة، كما بنيت على النص لوحةَ بهذا الاسم، وصار عنوانا لمعرضي في الدوحة وفي أكثر من مكان.


كيف تختارين كلمات القصيدة والنصوص الأخرى للوحاتك؟
يفرض النص أحياناً عليّ ما أفعل، حتى عندما بدأتُ الفكرة، كنتُ أطرز مثل أية امرأة فلسطينية تتقن التطريز، لكن لا أعلم ما وراءه. ولمّا بدأت بإعداد رسالة الماجستير عن تاريخ الفترة الكنعانية، أخذني النص إلى اللوحة، بمعنى أن النص كان هو الدافع، وهو الجمالية العالية الموجودة في النصوص الكنعانية القائمة على الآداب والأسطورة، وكانت تلك المرحلة من الفن عظيمة، على امتداد سورية الكبرى، وبالذات كتاب التوراة الكنعاني الذي جُمع بعد اكتشاف الحروف الهجائية في أوغاريت، قرب مدينة اللاذقية على الساحل السوري. وهذا الكتاب أسطورة تؤرخ كل شيء في المنطقة، ويعكس حركة المجتمع بأكمله، من شرائع دينية إلى الآداب والعمارة والرسائل، وحتى البريد، وبلغة أسطورية. شدّني هذا التوثيق، فهو يؤكد وجود كل هذه الأشياء قبل الغزاة، وهو هدف كل أشغالي، كما شدتني الجمالية، فالزخرفة كانت جزءاً دينياً، والدين كان مفتوحاً للفن، فعملية التوثيق تجمعت عندي كتلة واحدة، والنص بمثابة الباب لولوجي إلى عمل اللوحة.


وماذا عن الزخرفة؟
الزخرفة مختلفة عن المعاني الحديثة التي نتعامل معها اليوم، في الثوب أو الزي وغيره. وبالتالي، لم أتعامل معها في قصة الأزياء، ولا في ما تحمل اليوم من معاني، فقد كانت تعنيني البداية، والبداية التي كانت في كل مقطع ومثلث ومربع في أسطورة في تعويذة في حكاية في دعاء، في الصباغ الأحمر الذي كانت تُصبغ به عباءة الكاهن، والتي يجب أن تكون مزخرفة، لأن كثافة الزخرفة تدل على مكانة الكاهن آنذاك، وهذا الأوج الذي كان يسود المنطقة، سواء في بلاد الرافدين أو سورية الكبرى.


(العربي الجديد)


هناك إضاءات ظاهرة في عملك الفني على التاريخ الفلسطيني، وهي عملية تحتاج دراية ومعرفة وثقافة واسعة، كيف توفر لك ذلك كله؟
أنا كاتبة قصة منذ 1966، ووالدي خليل زقطان من شعراء النكبة، وعشت في المخيم، وهو الدافع الكبير لما وصلت إليه. في المخيم تفيق في الصباح، محملاً بعشرات الأسئلة، لماذا أنا هنا؟ لماذا بيتي هكذا؟ لماذا أذهب إلى مطعم وكالة الغوث حتى أتناول الطعام، ولا أتناوله في بيتي؟ لماذا عندما أتوجه إلى مدرستي، أرى طوابير من الناس تنتظر للحصول على المؤن والمعونات. ويتكرر هذا الكرنفال شهرياً؟ المياه كيف تنتقل. في مخيم الكرامة، كانت المياه تنزل من الصنبور كالملح، وتحاول سيدة البيت غليها على النار طويلاً، حتى تحصل على ماء قابل للشرب؟ في المخيم، يتشابه الجميع، كلنا نلبس مثل بعضنا، وعفشنا واحد، والبيوت متشابهة ومشبعة بالحميمية، وكانت تتوزع في المخيم المناطق الجغرافية، هنا منطقة اللد وهناك الرملة وهذه بيت دجن وتلك بيت محسير. وبيوت المخيم في الأغوار كانت من الطين والقصب. وفي بيتنا كانت ثروة وحيدة، مكتبتان لوالدي، واحدة بنية والثانية باللون الأبيض، وكان ذلك من عام 1959 إلى 1967. وكنت أتسلق إلى الرفوف، من أجل سرقة كتاب أو مجلة الآداب أو الأديب أو مجلة العربي، فكان الكتاب بالنسبة لي مقدسا، وكان والدي شاعرا مطاردا في بيت لحم والدهيشة، وأُبعد إلى الكرامة عن طريق نهر الأردن، وأسس أول مدرسة في الدهيشة، وألف والدي كتابه "صوت الجياع" في المخيمات، وجاء الكتاب قويا ومباشرا، وتم منعه. واعتقل والدي بسبب تأليفه هذا الكتاب، وقد شاهدنا، نحن أبناؤه، الكتاب في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي عام 1967، إذ فتحت سجون الخليل، وأطلق سراح الكتب الممنوعة، ووصل إلينا كتاب والدي مع المهاجرين، فرحلة مثل هذه تجبرك على البحث والتحرّي عن إجابات، وتزرع فيك التحدي، إضافة إلى أنه في مدرسة المخيم كنا نكتب عن قريتنا، ونحيي المناسبات، مثل مذبحة دير ياسين ( 9 أبريل/ نيسان عام 1948)، على الرغم من أننا كنا صغارا لا نقدر أن نتخيل حجم المأساة والكارثة، وذكرى النكبة (15 مايو/ أيار)، وهذه المناسبات تكرس في أذهاننا. وبالتالي كان ذلك كله عوامل أعطتني الكثير.

متى كانت بدايتك مع هذا اللون الفني من التطريز، وكيف؟
بدأت سنة 1980عبر اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت، عندما طرحوا أن يكون اليوم الأول من يوليو/ تموز من كل عام (ما يعود إلى تموز الكنعاني الفينيقي) اليوم العالمي لتراث الشعب الفلسطيني. كنت طالبة بين عمان وبيروت، وأحد المؤسسين للجنة يوم التراث العالمي للشعب الفلسطيني، وكانت الأشياء تأتينا من الداخل، أحيانا لا نعرف الأشياء والحرف، ففي معظم الأحيان تأتي الحرفة، ولا يأتي صاحبها. وكنت أريد أن أكمل دراستي، وبدأت إعداد رسالة الماجستير عن الفترة الكنعانية، وكان هناك كتاب لمحمد أديب العامري عن المؤرخ البريطاني، أرنولد توينبي، الذي زار فلسطين عام 1967، وقال جملة شهيرة، إنه إذا "نحن نظرنا إلى الفلسطينيين والفينيقيين بعيون الإسرائيليين، وإذا أردنا الرؤية الصحيحة، علينا أن نعاين الأشياء من وجهة نظر الجانب الصامت أيضاً، لا أن تكون للجانب الإسرائيلي الكلمة الأخيرة، كما كانت له الكلمة الأولى"، وإثر ذلك طردت قوات الاحتلال الإسرائيلي توينبي من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبذلك كنا، نحن الفلسطينيون، مغيبين، ليس في حقل الإعلام فحسب، بل في كل شي. كانت أوروبا تعرف المنطقة من التاريخ التوراتي، والإسرائيليون جاهزون إعلامياً ومادياً ومدعومون حتى لما سيفعلونه بعد مائة سنة. وفي المقابل نحن صفر، نعتمد على ذاكرة الأم والأب، وهذه لا تكفي لتقف في مجابهة ثقافية مع عدو مرتبة أموره بدقة وتخطيط، ومعه العالم كله.



إذن كانت مهمتك صعبة، كمن ينحت الصخر، ماذا عن الدوافع التي مكّنتك من تجاوز هذه الصعوبات؟
يحدث مرات أن يدفعك، الاستفزاز والتحدي، إلى تحقيق ما تصبو إليه. في تلك الحقبة، كانت منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت التي كنت أقيم فيها، وأزور جنوب لبنان، وأرى الحماس الموجود عند الشباب، وكنا نستقبل الطلبة القادمين من الشتات. أذكر عام 1981 أنني كنت في بيت أخي بمفردي، وإذ بالباب يُطرق، ووجدت شابا من مكتب التنظيم، وبرفقته أربعة أو خمسة طلاب يحملون حقائبهم، وأبلغني الشاب أن هؤلاء يجب أن يكونوا عند الرفيق غسان (أخي). كانوا طلبة تركوا دراسة الطب والهندسة والمقاعد الجامعية، بل والمستقبل، وجاؤوا يدافعون عن فكرة. باتوا يومين أو ثلاثة عندنا في البيت، وتجمعوا هم وأقرانهم الذين كانوا في بيوت آخرين، داخل الكراج الذي تنطلق منه المركبات إلى الجنوب، وودعناهم عند جسر الكولا في بيروت، ولا أعرف ماذا حصل معهم، وماذا حل بحقائبهم. ردات الفعل هذه تراكمت. وبعد 1982 زادت الأمور تعقيدا، ولم يعد عندك إلا أن تقاوم بالثقافة وبالمعلومة. وأعتبر المعلومة التاريخية وثيقة كاملة، وقد اعتمدت في كل غرزة وفي كل نص شعري وقصصي، وفي روايتي "مضى زمن النرجس"، على المعلومة الأثرية، ووصلت إلى تفكيك الهجائية الكنعانية المصوّرة، وكانت "أوغاريت" البئر، ليس لنا فقط، بل للمنطقة كلها بما فيها اليونان، وكانت المدن الفلسطينية تبعث كل تقاريرها ورسائلها لتحفظ في "أوغاريت"، وهي المكتبة التي عثر عليها في 88 تلة في رأس الشمرة، مليئة بالرقم وحفريات البلاط والمسلات، كانت صفحة واضحة للدخول. كأني بنيت بيتي هناك وبقيت إلى الآن، حتى أحيانا تكون في شخصيتي أمور لها علاقة بالمرأة في تلك المرحلة، فقد مضى لي 38 سنة في هذا الميدان، حتى أني أبحث عن مقبرة لأموت على طريقتهم، هناك وجدت مئات من الوثائق، بلغة "أوغاريت"، وتُرجمت إلى الفرنسية في مجمع لوفان، وتل العمارنة وفي ماري وتل الحرير، موجودة في المتاحف ومترجمة. وكان علماء الآثار الذين بدأوا في عام 1929 في رأس الشمرة "أوغاريت" موضوعيين ومنسجمين مع أخلاقيات الآثار وبالذات الفرنسيين (مجمع لوفان) والأب روبير دي لانج الذي قال "كل ما يوجد في توراة إسرائيل وفي آدابها وفي حياتها، يعود إلى الفترة الكنعانية، حتى لو كانت في أقصى الشمال".

ذات صلة

الصورة

سياسة

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إفادات وصفها بالصادمة عن سلسلة جرائم مروعة وفظائع ارتكبها جيش الاحتلال خلال عمليته المستمرة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
الصورة
إطلاق نار (إكس)

سياسة

شددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، إجراءاتها العسكرية في بلدات عدّة غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، بعد عملية إطلاق نار قرب طريق استيطاني.
الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة

مجتمع

يضطر سكان شمال قطاع غزة إلى الانتظار لساعات طويلة للحصول على مساعدات إنسانية، جراء اشتداد الجوع بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أشهر...

المساهمون