داوود عبد السيد... الأغنية كوسيلة للسرد السينمائي

داوود عبد السيد... الأغنية كوسيلة للسرد السينمائي

25 فبراير 2018
المخرج المصري داوود عبد السيد (Getty)
+ الخط -
ينتمى، داوود عبد السيد، إلى جيل الهزيمة. جيل شب على مرارة النكسة التي لم تفارق ذهنه حتى بعد حرب 1973. يحكي داوود عبد السيد أن الدبابات وعربات الجيش كانت تتحرك في شارع الهرم، وهو يصور أحد مشاريع تخرجه في معهد السينما، وهي الصورة التي بقيت مطبوعة في ذهنه وذهن جيل كامل. وهو الجيل الذي حمل على عاتقه تجديد شكل السينما المصرية، فكان هناك محمد خان وعاطف الطيب ورأفت الميهي ورضوان الكاشف وخيري بشارة، فقدم كل منهم رؤيته ومدرسته الخاصة للسينما.

9 أفلام هي حصيلة داوود في السينما المصرية، لو استثنينا الأعمال التسجيلية، ناتج قليل لكنه مهم في تاريخ السينما المصرية، ومعبر عن تطورات الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، خلال هذه الفترة، الممتدة من "الصعاليك" 1985 إلى "قدرات غير عادية" 2015.
يعمل المخرج المصري مع فريق ثابت، يكتب هو أغلب قصص وسيناريو أفلامه، يرافقه مهندس الديكور أنسي أبو ضيف، والموسيقار راجح داوود في جميع أفلامه. وستجد أن ممثلين أيضاً عملوا معه في أكثر من عمل، مثل نور الشريف في "الصعاليك" و"البحث عن سيد مرزوق"، ومحمود عبد العزيز في "الصعاليك" و"الكيت كات"، ولوسي في "البحث عن سيد مرزوق" و"سارق الفرح"، وخالد أبو النجا في "مواطن، مخبر وحرامي" و"قدرات غير عادية"، وصلاح عبد الله في "مواطن ومخبر وحرامي" و"رسائل البحر". وقدم أيضاً وجوهاً جديدة في التمثيل مثل علي حسنين وفرح وشعبان عبد الرحيم ورولا محمود وسامية أسعد.

بجانب الموسيقى التصويرية المميزة لأعمال داوود، والتي يشاركه فيها رفيق دربه راجح داوود، نجد شريط الصوت يحمل الكثير من الأغاني، يستخدمها داوود بعدة أشكال متباينة، يدخلها في الحدث من دون أن يشعر المشاهد بوجودها المباشر، فتنقل إليه إحساساً مكملاً ومؤكداً لما تنقله الصورة والقصة. وبالطبع، بجانب الأغاني التي كتبت للأفلام خصيصاً مثل فيلم "سارق الفرح" و"مواطن ومخبر وحرامي"، مع الأغاني ومتابعتها، تتسع الرؤية وتقترب أكثر من داوود، لترى عالمه عن قرب.
يتعامل داوود مع السياسة؛ كأنها المؤثر الأهم على شكل المواطن وحياته، حتى لو لم يظهر ذلك للمواطن أو المشاهد في الأفلام. لا يشتبك داوود مع السياسة بأي شكل مباشر في أفلامه، هو يهتم بالمواطن/الإنسان، وما تفعله القرارات السياسية في حياته حتى دون أن يشعر.
يستخدم الأغاني السياسية كخلفية للمشهد، ينقل بها أوضاع البلد والتناقض بين ما يقوله الإعلام متمثلاً في مطربي الدولة، والحقيقة على أرض الواقع بالنسبة للمواطن، كبداية فيلم "الصعاليك" بأغنية "المسؤولية"، التي كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل، رغم أن تاريخ الأحداث عام 1962، والأغنية غنيت لأول مرة في احتفالات يوليو 1963، لكنها مباشرة وواضحة في تمجيدها للاشتراكية ولجمال عبد الناصر وسياساته.

ويعيد داوود قراءة الأغنية السياسية والثورية في تلك الفترة، فتصبح "إبفيه" في الخلفية، سخرية من الوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع، كاستخدامه أغنية "بالأحضان" لمطرب الدولة والثورة في نفس الوقت (عبد الحليم حافظ)، في المشهد الفارق في أحداث "الصعاليك". وهو مشهد تهريب المخدرات وتحول الصعاليك لرجال أعمال. يفرح محمود عبد العزيز بنجاح العملية على أنغام "بالأحضان يابلادنا ياحلوة بالأحضان"، أو عند التفكير في دخول عالم السياسة للاستفادة منه في الأعمال التجارية والفساد، نسمع عليا التونسية في الراديو تقول "مانقولش ايه ادتنا مصر ونقول حندي ايه لمصر".

الأغنية العادية، يستخدمها داوود أيضاً في تحميلها بُعداً سياسياً واجتماعياً، ويتضح ذلك في "الكيت كات" و"سارق الفرح"، وظهور أغاني ناظم الغزالي (أي شيء في العيد، وطالعة من بيت أبوها) كتعبير عن فترة السفر والعمل في الخليج، وبداية تغيرات ثقافية للمجتمع المصري. ونجد مثالاً آخر في "سارق الفرح" وشخصية شطة "محمد شرف"، القادم من العمل في الخليج حاملاً الراديو والكاسيت والأغاني الخليجية.


أم كلثوم... المزاج العام للمصريين 
يعلم داوود أهمية أم كلثوم للتاريخ المصري، كتعبير عام عن مزاج السلطنة للمصريين. وتُعرف أم كلثوم كالراعي الرسمي للمقاهي. في "الصعاليك" يستخدمها كتعبير عن الزمن. فبعد عدة أحداث في بداية الفيلم، تسمع أغنية "أنت عمري" في المقهى، أي أن فات من عمر بداية أحداث الفيلم عامان على الأقل، لأن الأغنية ظهرت في عام 1964، وبداية أحداث الفيلم في عام 1962.
انطلاقا من كل ما سبق، عند النظر لأعمال داوود، نجد أنها مليئة بالغناء، غناء الممثلين، إذْ لا يشترط أن يكونوا مطربين. الغناء عند داوود ينقل حالة الفيلم، في "الكيت كات"، يغني الشيخ حسني في جلسات الكيف والمزاج، أغان ذات كلمات عامية وهزلية، تليق بشخصية الشيخ الكفيف. وغنى أيضاً شريف منير "حرج عليا بابا". هذه الحالة من الحميمية في الغناء على العود، وكأنها جلسات خاصة، كانت قريبة من حالة غناء لوسي في "البحث عن السيد مرزوق"، وتقديم أغان قديمة.
في هذا الفيلم تحديداً، الذي غنت فيه لوسي بشكل جميل، يحاول داوود عبد السيد تقديم أغان تتصادم مع الحالة الأساسية للفيلم، وسط الفقر والعشوائيات والمشاكل، نجد الأغاني مبهجة وبسيطة، واستخدام المجاميع كورسا غنائيا. وقد شارك في الغناء في الفيلم مطربة الأوبرا "تحية شمس الدين". 

أسمهان وحسن الأسمر والآخرون
هكذا يعرف جيدا داوود عبد السيد كيف يختار موسيقاه. أغلب خياراته مفاجئة وخارج السياق. أقله هذا ما يبدو للوهلة الأولى، ليتبين لاحقاً أنها جزء أصيل من "حدوتة" الفيلم. الحدوتة التي لا تكتمل من دون هذه الموسيقى. في الكيت كات وفي شقة الهرم (نجاح الموجي) تسمع أغنية "ليالي الأنس"، وتجدها أيضا مع نور الشريف في "البحث عن سيد مرزوق"، وفي "أرض الأحلام" فترقص فاتن حمامة مع أصدقائها، على صوت أسمهان وليلى مراد في مشهد عذب لسيدات كبار في السن يتذكرن مغامراتهن في المراهقة.

المساهمون