عروض الأفلام في مصر: انكفاء المحلي وسطوة الأجنبي

عروض الأفلام في مصر: انكفاء المحلي وسطوة الأجنبي

22 فبراير 2018
من "جومانجي" لجايك كاسدن (فيسبوك)
+ الخط -
قبل سنوات قليلة، كانت نسخ العرض المصرّح بها لأي فيلم أجنبي في مصر 5 فقط، ضمن اتفاقٍ قائمٍ بين شركات التوزيع وجهاز الرقابة، لإتاحة شاشات عرض أكثر للأفلام المحلية. لذلك، كان تحقيق فيلم أجنبي (تعبير "أجنبي" يعني "الأميركي" فقط) مليون جنيه مصري في شبّاك التذاكر حدثًا. حين استمرّ عرض فيلم "تايتانيك" (1997) لجيمس كاميرون 3 أشهر متتالية في الصالات المصرية، محقِّقا أكثر من مليوني جنيه مصري، ظلّ هذا الرقم صامدًا نحو 20 عامًا، من دون أن تتجاوزه إيرادات أي فيلم آخر. 

حاليًا، الوضع مختلف. مؤخّرًا، بلغت إيرادات "جومانجي: أهلاً بكم في الأدغال" (2017)، لجايك كاسدن، 22 مليونًا و702 ألف جنيه مصري، ليُصبح الفيلم الأجنبي الأعلى إيرادًا في تاريخ شباك التذاكر المحلي، بعد أن تجاوز إيرادات The Fate And The Furious (2017) لأف. غاري غراي، العام الفائت (22 مليونا و466 ألف جنيه مصري). المُصادفة كامنةٌ في أن دواين جونسن "بطلُ" الفيلمين معًا.
تلك الأرقام الضخمة تجعل "جومانجي" أعلى الأفلام إيرادًا في مصر لغاية الآن، رغم عرض 8 أفلام محلية جديدة، منذ مطلع العام نفسه (2018). كذلك، جعلت الجزء الـ8 من سلسلة "السرعة والغضب" يحتلّ المرتبة الـ4 في لائحة "أكثر الأفلام إيرادات عام 2017"، بعد "الخلية" لطارق العريان، و"هروب اضطراري" لأحمد خالد، و"تصبح على خبر" لمحمد سامي.

لكن، حتى بخلاف ذلك، فإنّ "سوق الأفلام الأجنبية" في مصر ازدهر بشدّة. رقم "مليون جنيه مصري"، الذي كان يُعتَبر "حدثًا" قبل 10 أعوام، لا تحقّقه إلاّ صفوة الأفلام، أصبح لا يعني الآن أي شيء. ففيلم رعب كـ "الغدر: المفتاح الأخير" (Insidious: The Last Key) لآدم روبيتال، أو فيلم مغامرات كـ "عداء المتاهة" (The Maze Runner) لوس بايل، المعروضَين حاليًا في الصالات السينمائية المصرية، ولا يدعمهما أي نجمٍ أو دعاية استثنائية، يحقّقان، كمعدّل وسطيّ، 5 ملايين جنيه مصري.

فمتى، ولماذا أصبح سوق عرض الأفلام الأجنبية متّسِعًا إلى هذا الحدّ؟
عاما 2009 و2010، وصل عدد الأفلام المصرية إلى 50. الأهم، ربما، أن الأفلام تلك كانت لنجوم الصف الأول الأكثر شعبية، إذْ شهد العام الواحد فيلمًا ـ على الأقل ـ لكلّ من أحمد حلمي وأحمد مكي وأحمد السقا ومحمد هنيدي ومحمد سعد  وعادل إمام وتامر حسني وغيرهم. كذلك يسمح، بشكل ما، بوجود حركة فنية على الهامش التجاري، يصنعها داود عبد السيد ويسري نصر الله، أو أبناء الجيل الجديد، كمحمد دياب وأحمد عبد الله وعمرو سلامة؛ وجميعهم قدّموا أفلامًا مع "نجوم" وميزانيات مقبولة، داخل السوق التجارية.

بعد ثورة 25 يناير (2011)، حصل تراجع ضخم في إنتاج الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة، وخوف شديد من الإقدام على إنتاجات كهذه. أصبح التلفزيون السوق الرئيسية للمنتجين والممثلين. لم تعد السينما مزدهرة وذات رونق، كما في السابق، على المستوى التجاري. يغيب ممثل كأحمد حلمي عن السينما عامًا أو عامين، ويتوقف عادل إمام عن التمثيل السينمائيّ للعام الـ7 على التوالي، لأول مرة في تاريخه الطويل.

هناك أمثلة كثيرة عن صعوبة العمل السينمائيّ بعد الثورة، واتجاه الغالبية نحو التلفزيون. لكن هذا "الفراغ" ـ الذي سبّبته قلّة إنتاج الأفلام عدديًا، وانخفاض جاذبيتها الجماهيرية، لأن غالبيتها مُنتَجَة بميزانيات ضئيلة ومن دون "نجوم صف أول" ـ جعل الأفلام الأجنبية تنال مساحة أكبر في خارطة العروض التجارية، وأصبح قرار "مشاهدة فيلم أجنبي شهير ومسلٍّ" أقوى من اختيار "فيلم مصري رديء، بميزانية محدودة". 

نتيجةً لهذا كلّه، اضطرّ الموزعون وجهاز الرقابة إلى تعديل القوانين الخاصة بعدد الشاشات المتاحة للفيلم الأجنبي. من 5 شاشات فقط لغاية عام 2009، ارتفع العدد إلى 8 ثم 10، ووصل حاليًا إلى 23 دار عرض كاملة، مع "الفهد الأسود" (Black Panther) لراين كوغلر، أحدث فيلم ضخم الإنتاج يُعرَض في مصر.


لهذه الزيادة علاقة، أيضًا، بسببٍ آخر: ارتفاع عدد دور السينما وشاشات العرض في مصر. مع بناء كلّ مجمّع جديد أو منطقة تجارية جديدة تستهدف طبقة اقتصادية أعلى، تكون هناك "دار سينما" بـ8 شاشات، وأحيانًا أكثر. لتلبية حاجات الدور الجديدة، في ظلّ سوق إنتاجية راكدة، يكون البديل أفلامًا أجنبية.

الأمر الأخير، المؤثّر والمتصاعد طوال السنوات الماضية، يكمن في أنّ الجيل الشبابيّ الجديد، في العالم عمومًا، وفي مصر أيضًا، أكثر تواصلاً ودرايةً بما يحدث حوله. لم تعد وسائل المعرفة محصورة في أخبار الصحف أو ملصقات الأفلام المعلّقة في دور السينما، كالسابق، لأنه بات متاحًا الآن أن يعرف هؤلاء كلّ شيء عن الأفلام الجديدة في أميركا، وأن يتابعوا أخبارها، ويعرفوا ما تحقّقه من إيرادات وقبول جماهيري، فيشعروا، عندها، برغبة في مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك، من دون رهبة من كونه "فيلمًا أجنبيًا"، كما كان يحدث حتى مطلع الألفية الحالية. جزءٌ من الثقافة الحالية ـ المتكوّنة مع هذا الجيل منذ نشأته، في ظلّ وجود "إنترنت" وقنوات الأفلام المتخصّصة ـ كامنٌ في التواصل مع ما يحدث في العالم.
لتلك الأسباب كلّها، ليس مفاجئًا أن يحقّق "جومانجي" أكثر من 22 مليون جنيه مصري كإيرادات، بل إنّ الرقم نفسه ربما يكون ضئيلاً في سنواتٍ قليلة مقبلة.

المساهمون