الينابيع الحارة... كنز تركيا الذي كان مطموراً

الينابيع الحارة... كنز تركيا الذي كان مطموراً

20 فبراير 2018
تعمل تركيا على إنشاء مدن معدنية لجذب السائحين(Getty)
+ الخط -
منذ سنوات، حكى لي المرحوم عبد القادر عبد اللي، عن كنوز تركيا التي بدأت بنبشها واستثمارها، وكان الاستشفاء عبر المياه المعدنية بعضها، بل اصطحبني المترجم الأول عن التركية عبد اللي، لنبع قريب من مدينة يالوا لأرى بأم العين، أي استقطاب وعائدات، تتأتى عن هبة الطبيعة. 
وأذكر فيما أذكر عن المكان، حسن التخديم وأناقة الاستثمار، والذي قادنا وقتذاك غصباً، للمقارنة بين إهمال الأوابد والينابيع بسورية، مع ما يفعله الأتراك، ليضربوا سرباً من العصافير بحجر واحد، ربما العائد المالي، أقلها على الإطلاق.
خلال بحثي في هذا الموضوع المتشعب، استنتجت أولاً أن ولاية أفيون لم تعد، كما كانت، عاصمة السياحة العلاجية، وإن لم يزل لينابيعها الكثيرة وحمامات الطين الساخن، شهرة وسطوة. وخصوصا، بعد أن التفتت تركيا لهذا القطاع بعناية، إن لجهة الترويج والجذب التي وصلت إلى الصين واليابان والولايات المتحدة، أو حتى العائد الذي تتطلع ليصل إلى نحو 15 مليار دولار سنوياً.
إذ لوجود حوالي 1100 ينبوع، منها 500 ذات مياه حارة تتراوح حرارة مياهها، بين 20 و100 درجة مئوية، وتخديم يزيد من غايات السائح، لتتعدى العلاج والاهتمام بالبشرة، دفع البلاد للتفكير بإنشاء "مدن معدنية" والتطلع للصدارة، وليس المنافسة فحسب، فإن كانت إيطاليا الأولى أوروبياً بعدد المنشآت حول المياه الطبيعية بعدد 300 منشأة وألمانيا الثانية بنحو 260 منشأة، فلا بد للثالثة تركيا أن تتبوأ المركز الأول، مادامت هي الأولى بعدد الينابيع التي تقول مصادر إنها 1100 وترجح أخرى أنها 1500 نبع طبيعي، تتوزع أكثرها وأهمها، حول مرمرة وأفيون ويالوا وبورصة وأضنا وجناق قلعة.
ولأنه من الصعوبة الإحاطة، ضمن هذه المساحة، بهذا القطاع الشائق والواسع، سنأتي سريعاً ودونما تفصيل، على أهم المناطق الذاخرة بالينابيع وعلى أكثرها شهرة وجذباً.
ربما يصنف ينبوع هوادي في ولاية صندقلي من أقدم ينابيع المياه الحارة، إذ تقول المراجع إنه يعود لنحو ألف عام، ولم تزل مياهه وحمامات الطين فيه تستقطب المرضى والسائحين، وعلى مدار العام، نظراً لما يقال عن قدرة طينه ومياهه، على تسكين الآلام وشفاء أمراض المفاصل.
وإن كان هوادي من الأقدم، فربما تأتي ينابيع أضنا الأكثر، ويأتي ينبوع أجه ديره في قرية صولو ديره في المقدمة، إذ لمياه هذا الينبوع التي لا تتجاوز حرارتها الـ15 مئوية، قدرة على شفاء أمراض الكلى واضطرابات المعدة ومشاكل الأمعاء، على حسب ما تتضمن قوائم الترويج. وفي ولاية أضنا أيضاً، ينبوع آجيمان الذي يقال إنه يشفي من الأمراض النسائية وعلاج الكسور والخلوع، وينبوع علي خوجالي المخصصة مياهه لاضطرابات المعدة والأمعاء، نظراً لما تحويه من صودا وأملاح، وينبوع كورت تبه ذو المياه البادرة جداً، وينبوع كوكارينار الذي تساعد مياهه على الشفاء من الروماتيزم وأمراض الدم، نظرا لكثافة الكبريت فيها، وينبوع تاهتالي كوي وينبوع إلجا إتشمسي كوزان ونبع كوديس وباغ أوزو.
وثمة نوع من الينابيع في تركيا، تحتوي مياهها على نسبة عالية من الكالسيوم، كتلك الموجودة في باموكالي شمالي مدينة دينزلي، وربما كانت باموكالي غنية عن التعريف لأنها الأقدم وأدرجت منذ سنوات على قائمة التراث العالمي لمنظمة "يونسكو"، فهي القريبة من المواقع الأثرية لمدينة هيرابوليس كالمسرح المدرج، ومقبرة كبيرة، ومعبد للإله أبولو، وتعتبر تعد هذه الينابيع الدافئة، التي تظهر على شكل مدرجات باللون الأبيض، من أشهر الوجهات السياحية بتركيا، ومن اللافت بهذه الينابيع، ما يقال هنا بتركيا، إن هذه المياه مقدسة ولها القدرة على الشفاء والعلاج من أمراض عدة، منها أمراض القلب والروماتيزم.

وخلال الحديث عن الينابيع والمياه الحارة، تقفز ولاية بورصة للمشهد بقوة، فإن أشرنا فقط لمغارة وينابيع أويلات ثالث أكبر مغارة بتركيا، فربما نفي عاصمة العثمانيين السابقة، بعض حقوقها، فهذه التحفة الطبيعية، و للإشارة فقط، تشكلت بسبب حدوث زلزال كبير قبل 300 مليون سنة، وتتميز بطولها الممتد إلى 665 مترا، في عمق الجبل، ويوجد فيها أكثر من 146 درجة حتى يستطيع الزائر التجول، والاستمتاع بالينابيع الكبريتية العديدة الموجودة فيها.
وللأهمية، يقتضي الإنصاف الإشارة ببورصة لينابيع أويلات قرب مدينة اينغول، إذ لمياهها المتناوبة بين الباردة والحارة، قصة أخرى، فهي كما يقال، تشفي فاقدي الأمل بالحياة، وتصنف الثانية عالميا بهذا التخصص، بعد ينابيع في سويسرا.
وبالقرب من بورصة، تأتي ولاية يلوا ومدينتها الصغيرة تيرمال التي تحوي ينابيع معدنية عدة غنية بالكالسيوم وفلوريد الكالسيوم، وهي قديمة ومستثمرة وإن بأشكال بسيطة، قبل أن يلحقها الاهتمام التركي، منذ عهد الرومان.
ويوجد في تيرمال عدد من المغاطس التاريخية الشهيرة ومنها، مغطس السلطان، وحمام الوالدة، وحمام قورشونلو، ويتضمن حمام قورشونلو التاريخي حوضًا للسباحة في الهواء الطلق، بالإضافة إلى الأحواض الداخلية والحمام البخاري (الساونا). والحمام القروي.
وللأمراض النفسية والعصبية أيضاً، ينابيع بتركيا، يقال إنها تشفيها، ولعل ينابيع ديادين، بولاية آغري، أشهرها، ففي ولاية تشتهر بالثلوج والبرد، تتدفق مياه حارة، يتهافت عليها كثيرون، بعد الذي قيل وأثبتوه، أنها تفيد علاج الأعصاب، بل وباتت أشبه بمركز صحي للعلاج النفسي والروحي.
وأما للساعين وراء جمال البشرة وصفاءها، فكثيرة هي الينابيع التي تفيد مسعاهم، فمثلاً ينابيع كاراهايت في مدينة باموك قلعة التي تتميز بلونها الأحمر نتيجة لارتفاع نسبة مادة الحديد في مياهها بسبب خروجها من ثنايا الصخور المتحولة، كما أن أحواضها الطينية تتصف باللون الأحمر لأن تربة هذه المنطقة تربة حمراء. وتساعد مياهها الطينية في علاج الكثير من الأمراض وتحسين الجلد والبشرة.
ولأن المقام يضيق، سنأتي ذكراً على أهم الينابيع، كنبع ينابيع توزلا في إسطنبول الذي يقال إنه يشفي مرضى الربو، وينابيع كزلجا حمام ذات المياه الكبريتية قرب العاصمة أنقرة، وينابيع كاراجاسو قرب مدينة بولو على البحر الأسود.

دلالات

المساهمون