قوّة إقليميّة ناعمة

قوّة إقليميّة ناعمة

02 فبراير 2018
أردوغان يصافح ممثل تركي(Getty)
+ الخط -
استطاعت الدراما التركية في عقدها الأخير تحقيق معجزة كبرى لها أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فلم يستطع منافسوها في المنطقة العربية والشرق الأوسط عرقلة هذه القوة الناعمة القادمة من الأناضول بثبات نحو عقول ووجدان الشعوب الأخرى.

حتى أوائل الألفية الجديدة كانت الدراما التركية في عزلة محلية، ولم تكن إيرادتها الخارجية  كبيرة، لكن فجأة بدأت الإيرادات تتضاعف حتى وصلت إلى 350 مليون دولار في 2016، إذ ارتفع سعر الحلقة الواحدة لبعض المسلسلات التركية من 500 دولار في 2004 إلى 50 ألف دولار في 2017. كما ازدادت السياحة الوافدة إلى تركيا لمشاهدة أماكن تصوير الدراما، وكانت السياحة من دول أميركا اللاتينية هي الأكبر في نسبة الزيادة، فبلغت النسبة 70% ما بين عامي 2010 و2014. وزادت السياحة العربية لتركيا، إذْ بلغت نسبة السائحين العرب وسط مجموع الوافدين إلى تركيا 27%، وفقاً لتقديرات 2016. كما نقلت الدراما التركية العديد من الصادرات إلى نسب عالية، فزادت صادرات الملابس والإكسسوارات والحلي ولوازم الموضة والديكورات المنزلية بحوالي 9%، بينما ارتفعت صادرات الألعاب الإلكترونية 26,5%، والكتب والروايات بنسبة 18,11%.
وفي تقرير لشبكة "بي بي سي"، حول مسلسل "ألف ليلة وليلة" التركي الذي استطاع أن يجعل أهل دولة تشيلي يلازمون ديارهم يومياً أثناء عرضه، إذْ كان العمل الأكثر مشاهدة على مستوى أميركا اللاتينية كلها، إلى أن وصلت الدراما التركية للمرتبة الثانية عالمياً بعد الدراما الأميركية التي ظلت تحلق لفترة طويلة بعيداً عن أقرب منافسيها.
وطبقاً للبيانات الرسمية التركية، فإن تركيا تنتج حوالي 100 عمل سينمائي ودرامي سنويًّا، تصدر منها حوالي 15 إلى دول الشرق الأوسط والبلقان وأميركا اللاتينية، بمجموع 142 دولة، فيما يصل عدد متابعي الأعمال التركية إلى حوالي 400 مليون شخص خارج تركيا فقط. وكما صار يعرض ما لا يقل عن 75 مسلسلًا تركيًّا على الشاشات العربية فقط في العامين الماضيين.
كان أول الأعمال التركية ورودًا إلى الشاشات العربية مسلسل "إكليل الورد" عام 2004، وهو مسلسل درامي اجتماعي، ويعد أول عمل يدبلج إلى العربية باللهجة السورية، وأحرز نجاحاً أدى إلى انتشار شعبيَّة باقي المسلسلات التركية التي استضافتها مجموعة قنوات MBC الخاصة. وأصبح هناك اهتمام بالتعرف إلى تركيا وثقافاتها وتاريخها وعلاقتها مع العالم العربي والغربي.
أشهر المسلسلات التي تبعت إكليل الورد كان مسلسل "نور" (2005) الذي جذب اهتمام البيوت العربية، وأثار العديد من التساؤلات والمشكلات الاجتماعية التي ظهرت أحيانًا في صورة ساخرة بسبب المقارنات التي عقدتها النساء العربيات بين رجالهن ومهند (كيفانش تاتليتوغ) البطل الوسيم الرقيق، وفي المقابل عقد الرجال المقارنات بين نسائهم ونور (سونغول أودان) البطلة الجميلة.
أما مسلسل "حريم السلطان" بأجزائه الأربعة التي بدأت في 2011، فقد حقق أعلى نسبة مشاهدة بين النساء في العديد من الدول العربية ومن بينها مصر، وشارك المسلسل في تقريب المجتمعات العربية من تاريخ الدولة العثمانية. ثم وصلت المشاهدة إلى نسب عالية أيضًا لمسلسلات أخرى مثل سنوات الضياع (2005)، و"سيلا" (2006)، و"عاصي" (2007)، و"إيزيل" (2009)، و"العشق الممنوع" (2010) و"الحب والعقاب" (2010)، و"فريحة" (2011)، و"القبضاي" (2012)، و"الحطام" (2014) وغيرها.
بعد محاولة الانقلاب في تركيا، تحوّلت أنظار المشاهدين من الدراما الاجتماعية إلى التاريخية، حيث الأصول العثمانية والقبائل التركمانية التي حققت معجزة وأنشأت إمبراطورية واسعة، عبر مسلسل "قيامة أرطغرل". وتبدو العلاقة السياسية واضحة بين السياسة التركية والمسلسل وما يطرحه من أفكار بطولية للعنصر التركي. وكان بطل المسلسل، هاليت أرجينيك، قد شوهد بين المتظاهرين في ميدان تقسيم رفضًا للانقلاب العسكري، ودعماً للمسار الديمقراطي التركي.
"قيامة أرطغرل" الذي يتم تصوير الجزء الرابع منه حاليًا، هو أحد العروض التي حصلت تركيا على 130 مليون دولار من مبيعاته الخارجية فقط، فقد صار هوس المشاهدين به بلا حدود، وذلك في 47 دولة حول العالم، وهو دراما مفعمة بالمشاهد الملونة والمواقع الحربية والأبطال المميزين، وقد عرضت أجزاء المسلسل على القنوات العربية في نسختين إحداهما مترجمة مكتوبة، والأخرى مدبلجة باللهجة السورية.

لم يكن أرطغرل هو المسلسل الوحيد ضمن باقة الأعمال التاريخية فقد كانت مسلسلات تاريخية أخرى وجدت جمهورًا كبيرًا، مثل مسلسل "أرض العثمانيين" (2012)، "عاصمة عبد الحميد" (2017)، و"السلطانة قسم" (2015)، و"أنت وطني" وغيرها.
وتأثرت نسبة المتابعة للدراما التركية التاريخية بالثقافة التي اعتبرها المشاهدون العرب قريبة من ثقافتهم، فالأسرة وتماسكها والمشكلات التي تمر بها، وحتى الرومانسية الشرقية هي الأقرب لنفوسهم. وفي حين كانت الدراما التركية الاجتماعية تتعامل مع العديد من القضايا التي كان التلفزيون العربي يخشى التعامل معها مثل قضايا المساواة بين الجنسين والخيانة والمحبة، وإنجاب الأطفال خارج إطار الزواج. فإن الدراما التاريخية تعد آمنة من تلك المحظورات. إضافة إلى ما تحويه من تقنيات في التصوير والملابس وأداء الشخصيات بصورة تثير الشجون التراثية المشتركة بين العرب والأتراك.

المساهمون