خيامية الدرب الأحمر

خيامية الدرب الأحمر

19 فبراير 2018
الدرب الأحمر... من أشهر الأحياء القديمة في القاهرة (Getty)
+ الخط -
لا يعرف معظم المصريين لماذا سُمّي أحد أحياء القاهرة المملوكية الأثرية باسم "الدرب الأحمر"، فليست مباني الحي مطلية باللون الأحمر، ولا ترتبط به أي صناعة أو تجارة لها علاقة بهذا اللون. لكن الحقيقة أن الاسم جاء لاحقاً للمكان بعد أن وقعت في طريقه أشهر مجزرة في تاريخ مصر، مذبحة القلعة التي حدثت في مارس/آذار 1811، عندما دعا محمد علي، والي مصر آنذاك؛ المماليك لوليمة كبيرة، ثم طلب منهم الخروج معه لتوديع الجيش المصري الذاهب إلى الجزيرة العربية. 
أُخذ المماليك إلى باب في القلعة الكبيرة يسمى باب العزب، وبمجرد وصولهم إلى ذلك المكان؛ انهال رصاص الجنود على المماليك، فقُتلوا على الفور جميعاً، ما عدا واحدا منهم قفز بحصانه من فوق أسوار القلعة، حسب الروايات. وأغرقت الدماء المكان الصخري، فأمر محمد علي بتطهير المكان بالماء وغسله، فسال اللون الأحمر في الطريق والتصق به لفترة، فأطلق عليه الناس الدرب الأحمر.

والدرب الأحمر هو من أشهر الأحياء القديمة في القاهرة، ويحوي حوالي 65 معلماً أثرياً إسلامياً كبيراً بين مساجد وأسبلة ودروب صغيرة مملوءة بالمحال التجارية العتيقة، كما يضم الدرب 16 شياخة من أشهرها حي الباطنية (الذي اشتهر بتجارة المخدرات وحيكت عنه القصص والروايات وعدد من الأفلام) وحي الغورية وباب الوزير، وغيرها من الأماكن التي تكرر ذكرها في أعمال كثير من الأدباء وصناع الدراما.

وبين باب زويلة والغورية يقع سوق الخيامية أو شارع الخيامية، وهو منطقة ساحرة تضم فنونا ترجع إلى العصر الفرعوني، أشهرها مهنة صناعة الأقمشة الثقيلة الملونة والمزركشة باليد، وهي فن فرعوني قديم ازدهر أكثر في العصر الإسلامي بمصر، بسبب صعود تجارة اللوحات القماشية المنقوش عليها الآيات القرآنية بمختلف الخطوط، وأيضا بسبب ارتباطه بصناعة كسوة الكعبة. وكانت قافلة المحمل تخرج من مصر، طوال عهد أسرة محمد علي، تحمل الكسوة السنوية للكعبة والمنقوشة بيد أفضل العمال المهرة في خيامية الدرب الأحمر. وكانت تشترك فيها عائلات كثيرة من أرباب فن الزركشة والرسم بسبب حجم العمل الكبير والدقة المطلوبة وكثرة التفاصيل. وظل الأمر كذلك حتى ستينيات القرن الماضي، قبل أن تنتقل مهمة إعداد الكسوة إلى المملكة العربية السعودية ويصنعها العمال الآسيويون بمساعدة الماكينات الحديثة في مصنع كبير مخصص لذلك.

اليوم يصنع خيامية الدرب الأحمر الستائر والمفارش وأطقم الأسرّة، واللوحات القماشية اليدوية التي تعلق على الحوائط وفرش في الأرضيات. وقد تطورت تلك الصناعة كثيراً في العصر الفاطمي، حيث اختلطت في الكثير منها الزخارف التي كانت تستقل بها المساجد أو الكنائس أو المعابد الفرعونية، لتنتج مزيجاً من كل تلك الرسوم المختلفة. وللخيامية شيخ يرجعون إليه في مشكلاتهم وفنونهم، وهذا التقليد معمول به منذ عهد قديم جداً، وإن كان هذا الأمر قد صار شكلياً بعد زيادة تدخل الدولة في شؤون الخيامية.

شارع الخيامية من الشوارع المسقوفة القليلة بالقاهرة، وعلى امتداد شارع المعز الشهير بتجارة الذهب والتحف، وتنتشر الورش على جانبي الشارع، والمحلات والورش تقع على طابقين. وقديما كانت عدة أماكن بالشارع عبارة عن إسطبلات للخيول وفوقها أماكن مبيت للتُّجَّار الوافدين من بلاد الشام والمغرب. ولكن مع توسع العمل بالخيام في الشارع، تحولت الإسطبلات وأماكن الإقامة، إلى محال وورش للصناعة.

دلالات

المساهمون