"بنزين" للتونسية سارة عبيدي: قسوة الخراب

"بنزين" للتونسية سارة عبيدي: قسوة الخراب

19 فبراير 2018
سندس بلحسن في "بنزين" لسارة عبيدي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يجمع "بنزين"، أول روائيّ طويل للتونسية سارة عبيدي (مواليد قابس، 1972)، بين "ثورة الياسمين" وسؤال الهجرة غير الشرعية. جمعٌ بصريّ لمسألتين أساسيتين في التاريخ الحديث لتونس، ولموضوعين مطروحين في الاجتماع والثقافة والفنون. لكن عبيدي، إذْ تعاين أحوال بيئة ريفية (قرية "المجني" في منطقة "قابس"، 400 كلم جنوب شرق العاصمة)، انطلاقًا من مأساة تُصيب الزوجين سالم (علي يحياوي) وحليمة (سندس بلحسن)، جرّاء "اختفاء" وحيدهما أحمد، في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، أي اليوم الشاهد على تنحّي الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وخروجه الأخير من السلطة والبلد.

اختيار تلك اللحظة التونسية بالذات كمحطة زمنية لأحداثٍ درامية في "بنزين"، تحصل لاحقّاً، لن يكون عابرًا، كما أنه لن يتحرّر، كليًا، من وطأة النقاش الدائر حول الثورة المدنيّة وإفرازاتها. فالتوثيق انعكاسٌ لواقعٍ، تُريد سارة عبيدي إظهاره: "منذ تاريخ 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ارتفع نسق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا"، تكتب المخرجة قبل جينيريك النهاية. تُضيف: "سُجِّل في عام 2015 اختفاء أكثر من 1500 من التونسيين في البحر الأبيض المتوسّط"، مُشيرةً إلى أن "الآلاف من الأسر تعيش في حالة ترقّب ويأس".

إذًا، المسألتان المتداخلتان إحداهما بالأخرى تتعادلان ـ في الأهمية الدرامية والإنسانية ـ في النصّ السينمائيّ لـ"بنزين". والعنوان إحالة إلى مهنة سالم، الذي يبيع هذه المادة على قارعة طريق مهجورة من الأبنية والسكّان، لكنها عصبٌ حيوي بين مدنٍ وقرى وبيئات. في حين أن المسألتين هاتين عصبٌ أساسيّ في يوميات أناسٍ، يبحثون عن معنى التغيير المعطّل، وعن الكمّ الهائل من المصائب التي تؤدّي بمئات الشباب إلى "اختفاء" ملتبس في المسافة الفاصلة بين خرابٍ بلدٍ وغموض خلاصٍ في قارة عجوز.

ورغم أهمية المسألتين، إلا أن الغلبة السردية، المرتكزة على تفكيك بيئة ونفسيات وعلاقات، كامنةٌ في يوميات أبوين يُصيبهما إرهاق السؤال المعلَّق عن ابنٍ مختفٍ، وعن مغزى اختفائه في يومٍ، يُفترض به أن يكون "مجيدًا" بالنسبة إلى ثورة شعبية مدنية وعفوية. فالحكاية متعلّقة بالزوجين سالم وحليمة، المنبثقة (الحكاية) من اختفاء أحمد. والحكاية مفتوحة على خطوط هامشية، تتكامل في رسم ملامح عديدة: عن أهلٍ مُقيمين في قلق وارتباك وأمراضٍ وهيامٍ في بحثٍ يصطدم بتسلّط الأقوى، أو لامبالاة السلطة، أو روتين وظيفة عادية؛ وعن بيئة تتخبّط بين حلم موؤود بتغيير مرغوب، لكنه عاجزٌ عن التحقّق الفعلي، وتمدّد خطر لمآسٍ حاضرةٍ في الاجتماع التونسي قبل 18 ديسمبر/ كانون الأول 2010 (بداية الحراك الشعبيّ، مباشرة بعد إشعال محمد البوعزيزي النار في جسده)، ومستمرة في الحضور بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011.

يحمل "بنزين" ثقلاً إنسانيّاً كبيرًا، وجمالياتٍ سينمائية متواضعة، رغم أهمية المسألتين، وآلية معالجتهما. مع هذا، يبقى الفيلم شهادة بصرية عن واقعٍ مرتبك، وآلام فاعلة، وأحلامٍ ممنوعة من التحقّق.

دلالات

المساهمون