رحيل علي أبو شادي... الناقد الضاحك

رحيل علي أبو شادي... الناقد الضاحك

17 فبراير 2018
لعلي أبو شادي مكانة كبيرة في الجغرافيا العربية (فيسبوك)
+ الخط -
ليس سهلاً الفصل بين أنماط العمل التي اختبرها المصري الراحل علي أبو شادي (1946 ـ 2018)، في مراحل مختلفة من التاريخ الحديث لمصر. فعلى الرغم من أن الصفة الأبرز له كامنةٌ في اشتغاله النقديّ، إلا أن وظائف عديدة له وضعته في مواقع متقدّمة في المشهد السينمائيّ المصري والعربي، وجعلته في مواجهة مباشرة مع مسائل عملية، كالمهرجانات والرقابة ومؤسّسات حكومية معنية بالشأنين الثقافي والفني.

فهو أمين عام "المجلس الأعلى للثقافة"، ومستشار في "صندوق التنمية الثقافية" للشؤون الفنية، ورئيس "قطاع الإنتاج الثقافي"، ورئيس "المركز القومي للسينما"، ورئيس مجلس إدارة "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، ورئيس "الرقابة على المصنّفات الفنية"، وغيرها من المناصب الرسمية المتنوّعة.

كما أنه ليس سهلاً التغاضي عن جانبه الإنساني البحت، في سيرةٍ ممتدّة على نحو 45 عامًا، أخذته إلى الصحافة والنقد، بعد تخرّجه من "جامعة عين شمس" (ليسانس آداب) و"المعهد العالي للنقد الفني ـ أكاديمية الفنون" (1975)، ودفعته إلى مناصب رسمية مختلفة، اجتهد للتوفيق ـ فيها ـ بين مطالب الوظيفة الرسمية والتزامه جمالية الإبداع الفني والسجال الثقافي والنقد السينمائي، في بلدٍ منذورٍ لحكمٍ سياسي يميل، دائمًا، إلى العسكر.

لكن علي أبو شادي ـ المتمكّن من نصٍّ نقديّ يغوص في تاريخٍ عريقٍ للسينما المصرية، أولاً، كما في مسارات سينمات عربية مختلفة، ثانيًا ـ يبقى أحد رموز جيلٍ ثقافي عربيّ، انبثق نصّه السجاليّ من هزيمة حرب الأيام الستة (1967)، وتفتّح وعيه النقديّ في المرحلة الفاصلة بين تلك الهزيمة و"حرب أكتوبر" (1973)، مثابرًا على خوض معارك الإبداع والتأريخ، لصون بعض الذاكرة من الاندثار في فخّ النسيان، ولتحصين المُشاهدة والمعاينة اليومية في كتابات تؤرّخ وتُناقش، في النتاج والمواضيع وحركة الإنتاج، كما في الامتداد الطبيعي للنتاج السينمائي المتنوّع، في السياسة والاجتماع والعلاقات والانفعالات والمرويات والحالات.

لائحة أعماله طويلة، كعمرٍ أمضاه في سعي دؤوب إلى مواكبة التحوّلات المختلفة في بلده والمحيط العربيّ تحديدًا، وفي اشتغالٍ فعّال يُعيد قراءة العمل، ويُقدِّمه بلغة تختلف عن تلك التي تصنعها الصورة. فهو، بهذا، يصنع معادلاً مكتوبًا لنصٍ بصري، من دون أن يتغاضى عن إرثٍ غنيّ من الأعمال، في مصر والعالم العربيّ.

صحيحٌ أن غلبة السينما المصرية على كتاباته واهتماماته ومتابعاته واضحةٌ في مؤلّفات، يعود بعضها إلى "ماضي الحكايات الجميلة" و"انقلابات الأقدار" التي أفضت بالسينما المصرية إلى حالة ركودٍ، قبل أن يهبّ سينمائيون عديدون إلى نجدتها، بتحقيق أفلامٍ أخرجتها من ركودها هذا، بإدخالها إلى وقائع العيش اليومي للفرد المصريّ، ولأشيائه وتفاصيله وانفعالاته ورغباته وأحلامه وكوابيسه (الواقعية السينمائية الجديدة، في ثمانينيات القرن المنصرم). كما أن بعضها الآخر يواكب حركة تجديدية دائمة، منذ تسعينيات القرن نفسه لغاية الآن.

وصحيحٌ أن همومه الثقافية الأساسية منصبّة على الحراك الإبداعي في مصر، أفلامًا وأسئلةً وشخصياتٍ (له كتابٌ ممتع عن الممثل الراحل كمال الشناوي، مثلاً) ومهرجاناتٍ (له فضلٌ كبيرٌ في إعادة النبض ـ السينمائي والجمالي والحيوي والفني ـ لـ"مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة")، علمًا أن له كتابات عديدة عن السينما التسجيلية، من دون أن يتغاضى عن ارتباك العلاقة بين السياسة والمجتمع والمؤسّسات من جهة أولى، والاشتغال السينمائيّ من جهةٍ ثانية.

لكن الصحيح أيضًا أن لعلي أبو شادي مكانة كبيرة في الجغرافيا العربية، لشدّة انهماكه في التواصل مع عاملين في شؤون الثقافة والفنون في تلك البلاد، ولشدّة اهتمامه بمزيدٍ من المعرفة. هذا كلّه معطوفٌ على سماحة نفس، وبراعة نكتة، وسرعة بديهة في التقاط اللحظة وتحويلها إما إلى نقاشٍ مفيد، وإما إلى جلسة ضحك ساخر وبديع.

ففي مناصبه واشتغالاته كلّها، حافظ علي أبو شادي على ابتسامة صادقة وضحكة عميقة إزاء ضغوط المهن والاجتماع والوظائف، كما إزاء متطلبّات الجسد بالراحة، خصوصًا بعد تعرّضه لأزمة قلبية، استفاد منها لاحقًا، بجعل سلوكه اليومي أكثر ارتباطًا بالضحك والسخرية والمرح.

دلالات

المساهمون