برامج المواهب: استغلال السياسة للربح والانتشار

برامج المواهب: استغلال السياسة للربح والانتشار

15 فبراير 2018
تعرض ذا فويس كيدز لانتقادات لاذعة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
تزداد برامج المواهب الفنيّة. وتسعى معظم محطات التلفزة العربية إلى الفوز بـ"كعكة الذهب" التي تُشكل بالنسبة لها مزيداً من الأرباح. ورغم افتقاد بعض البرامج إلى معايير تقييم أساسية، تقوم على الملاحظة، والتدقيق التقني الصوتي أو الحركي الخاص بالموهبة، إلا أنَّ السعي الواضح، هو توظيف السياسة في سبيل تحقيق جمهور أوسع من المتابعين. وربما يتناسب هذا التوظيف، أحياناً، مع تطلعات الشركة المنتجة، ولا يعود بأيّ نفع لا على الموهبة ولا المشاهد.

لا يكادُ ينتهي "موسم" من برنامج مواهب، حتى يطلّ موسمٌ آخر، ونسخةٌ ثانية. برامج أصبحت، دون أدنى شك، تعتمِدُ على المواقف السياسية التي عبَّر عنها المشاركون ضمنها. ثمَّة شريط من المحاسبة، بات يفرض نفسه على المشترك، بعيداً عن أي سعي لاكتشاف موهبته في الغناء.

مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت "النشرة" الخاصة لمتابعة ميول الأفراد السياسيّة والفنيّة والاجتماعيّة، لا مكان للفصل بين التعبير عن موقف، وبين مشاركة في برنامج يتوجّه للناس بسلاح الترفيه والغناء والفن.

أسئلة كثيرة تُطرح، لعلها لا تقلُّ أهميّة عن الصراع الكبير والأسئلة الملحة التي تطرحها برامج "الكاميرا الخفية" مثلاً، والخدع التي تُعتمد، والتي امتدّت لنحو خمسين عاماً. وبحسب ما تؤكده الصحافة الغربية، بأن معظم برامج ما تُسمّى بـ"الكاميرا الخفية"، تعتمد على الخدع المُركبة، في سبيل إضحاك الناس، والترويج المجاني، والكسب الدعائي.

رغم تراجع برامج المواهب في العالم العربي، ما زالت تستميل المتفرج، وتُشكل مادة رئيسية لأي موسم تلفزيوني ناجح. لكنْ، إعداد وتنفيذ هذا النوع من الإنتاج المُكلف، يحتم تقديم وجبة دسمة، بإمكانها استهلاك كل شيء ممكن أن يثير ضجة أو يستفز المشاعر. تراقب شركات الإنتاج ذلك بأهمية كبرى، وتوليه عناية مُركزة من قبل المسؤولين عنها، وتستنجد الشركات بأي وثيقة أو حركة أو ردة فعل المواهب المتقدمين، وتستغله لصالح البرنامج لا في صالح الموهبة.

قبل سنوات، تداخلت الظروف السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة مع الواقع الفني، وأصبح التقييم يعتمد على موقف أطلقه صاحب الموهبة، تماماً كما هو حال منال الفرنسية التي شاركت في "ذا فويس" فرنسا. منال فتاة مُحجبة من أصول سورية، كتبت على صفحتها الخاصة على فيسبوك، بأنّ حكومة فرنسا هي الإرهابية بعد حادث الدهس الذي تعرض له فرنسيون وسياح في "نيس" جنوب فرنسا في شهر تموز/ يوليو 2016. منال لم تنكر موقفها على الفور، لكنها تعرضت لهجوم عنيف من قبل المتابعين الذين وجدوا موقفها عدائيّاً أمام ضحايا عملية الإرهاب نفسها.

وتصاعد الهجوم بسرعة على منال، وعاشت أوقاتاً عصيبة بعد التهم التي كيلت لها، ومطالبة القائمين على البرنامج بطردها من المسابقة. وخرجت حملات منددة على مواقع التواصل، لتعلن منال انسحابها من البرنامج، ليل الاثنين الماضي، ولم تعتذر، بل أكدت محبّتها لوطنها فرنسا. بحسب ما قال التلفزيون الفرنسي، فإن وصول منال الى مسرح "ذا فويس"، لم يأت بناء على تقديمها طلبا، كما يحصل مع باقي المشتركين، بل جاء بناء على اتصال من شركة الإنتاج، والتي ضمنت لها البقاء لوقت، نظراً لقيمة صوتها وحضورها وثقتها بنفسها.

الشركة كانت تعلم جيداً كلَّ شيء عن منال. ولذلك، أثارت الفتاة ضجّة واسعة، أولاً، بسبب حجابها، وثانياً، بسبب موقف على موقع فيسبوك أطلقته سنة 2016، أي قبل عامين. الواقع، أن مرور منال، وانسحابها شكَّل قفزة نوعية للنسخة الجديدة من البرنامج التي اعتمدت على موقف سياسي، مثير للغاية، الحجاب بداية، ثم الإرهاب.


نسخة "ذا فويس" الفرنسيَّة ليست وحدها ما تثير ضجة. النسخة العربية ليست أفضل حالاً. استغلال سياسي واجتماعي للمشتركين يدفع نحو تقدم نسبة المشاهدة. الاستغلال نفسه أرادته محطة MBC بعد الإعلان عن إقصاء الفنانة أحلام عن لجنة مدربي النسخة العربية التي بدأ عرضها قبل أيام، والذي كان له وقع كبير على المتابع، وتأخر عرض البرنامج من كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى شباط/ فبراير الحالي.

ثلاثة أشهر لم تكن تكفي المحطة، ولا شركات الإعلانات للاستثمار في النسخة الرابعة من "ذا فويس" الكبار، حالة من الأخذ والرد دافعها سياسي بامتياز. أقصيت أحلام لأجل موقفها الحيادي من الأزمة الخليجية، لكن لم يطل الأمر. أحلام عادت إلى كرسيها بسرعة البرق، ونالت ما أرادت من دعم ومساندة لفترة 3 أشهر، وانعكاس ذلك على صعود نسبة متابعة البرنامج من قبل الجمهور الخليجي المعني أولاً بقضية أحلام، ثم اللعب على وتر المواهب، وجنسياتهم وميولهم. في الحلقة الأولى، تم عرض موهبة شاب سوري هاجر عن طريق البحر ووصل إلى فيينا بشكل استهلاكي. وأراد الشاب السوري تجربة حظه في البرنامج، ورغم المأساة التي عاشها الشاب، وهجرته من مدينة حلب باتجاه تركيا بداية ثم إلى أوروبا، لم ينجح في الاختبار أمام لجنة التحكيم، فعاد باكياً إلى هجرته القسرية.

قبل ذلك، تعرَّض برنامج "ذا فويس كيدز" إلى انتقادات لاذعة بسبب إقصاء الأطفال السوريين عن المرحلة النهائية. لم يُعرَف الهدف من وراء ذلك، خصوصاً أنّ مواقف لجنة مدربي البرنامج هي أمرٌ مُستقل قياساً إلى باقي الفنانين. كاظم الساهر ونانسي عجرم وتامر حسني ابتعدوا عن المواقف السياسية المتشنجة، دون أي إيضاح عن سبب إقصاء الأطفال السوريين عن النهائيات.

المساهمون