"المربّع"... سخرية خبيثة من طبقيّة الفن

"المربّع"... سخرية خبيثة من طبقيّة الفن

13 فبراير 2018
المخرج الدنماركي روبين أستلوند (Getty)
+ الخط -
لمَّا فاز المخرج الدنماركي، روبين أستلوند، بالجائزة الذهبيَّة في مهرجان "كان" السينمائيّ المرموق، على فيلمه الجديد The Sqaure، أو "المربّع"، تنبّهت الأوساط السينمائيَّة النقديّة إلى وجود محاولة جديّة لدى المخرج في تناول إشكاليّات معاصرة جديدة في عالمنا الحديث.
وهي، تحوُّل الثقافة والفنون عمومًا، إلى مسألة خاصّة لدى الطبقات البرجوازية الغنيّة التي تتحكّم بمقاليد السلطة والنفوذ والثروة، وغربتها بالتالي عن الطبقات الاجتماعيّة الفقيرة والمعدومة، وأيضًا، يشير المخرج، إلى سخف وسطحية بعض النقاشات الدائرة في أوساط الفنون المعاصرة، والتي تبدو غامضة وغير مفهومة، وبالتالي: "عميقة". يسخر المخرج في ساعتين ونصف، بشكل لاذعٍ وخبيث من أنَّ الفنون المعاصرة، بدلاً من أن تكون صوت الطبقات المهمشّة والفقيرة، صارت غطاءً يحافظ على مكتسبات طبقة اجتماعيّة ضدّ طبقة اجتماعيّة أخرى. أي أنَّها صارت امتيازاً طبقيّاً بحتاً. 

يؤدّي، كلايس بانغ، الممثل الدنماركي، دور شخصيَّة "كريستيان". يكون كريستيان مسؤولاً عن مشروعٍ فنّي ذي تمويلٍ ضخم بعنوان "المربع". يهدف المشروع إلى "إشراك الناس بالفن" من أجل تذكيرهم بـ"حقوقهم وواجباتهم"، وذلك لترسيخ مبادئ الإيثار والتعاون والتشارك في المجتمع. أثناء إدارة كريستيان لهذا المشروع، يتعرّض إلى سرقة هاتفه المحمول الشخصي ومحفظته في الشارع. وفي سعيه المحموم لاستعادة محفظته، يقوم بالعديد من المؤامرات والأفعال التي تتعارض بالمطلق مع أهداف المشروع الذي يشرف عليه، لتظهر الغربة الواضحة بين القول والفعل، بين الفكرة والتنفيذ …. بين الواقع والفن.


يتّجه كريستيان فورًا إلى الأحياء الفقيرة والمهمشّة في العاصمة الدنماركيّة، كوبنهاغن. الفنان التحرّري يربط في لاوعيه بين السرقة والتهميش، بين الأجانب وارتكاب المخالفات. على مدار ساعتين، وفي سعي كريستيان لاستعادة أغراضه، نرى أنَّ المعضلات الأخلاقية المطروحة في عالم الفن هي كلام نظريّ فقط، وصار الفن فقاعة طبقيّة شديدة الاقتصار على فئة معيّنة من البشر. في حين، يتمّ وضع كل الكلام النظري على جنب، عند الخوض في إشكاليات الحياة العمليَّة.

في مؤتمر صحافيّ يقوم فيه كريستيان بعرض مشروع "المربع"، يقرأ من ورقة موضوعةٍ أمامه العديد من المصطلحات المعقّدة، والمأخوذة من لغة الفن الأكاديميَّة. النص مشفّر ومقعر لغوياً ولا أحد من الحضور يفهم تقريبًا ما يحكيه كريستيان. فتقوم صحافيّة لتسأل كريستيان وتطلب منه إيضاح بعض الأمور في المشروع، يتلعثم كريستيان، ويخاف من أن يظهر في هيئة غير المثقف. فيقول الكثير من الكلام الغامض غير المفهوم، لنفهم أن كريستيان نفسه، مدير المشروع، لا يعرف تماماً عما يدور المشروع.

"المربع" هو قطعة سينمائيَّة ساخرة تشير إلى انعدام القيم لدى من يحكون بالقيم، إلى الأنانية والجشع وتفضيل المصلحة الشخصيّة لدى المتحكمين في شؤون الثقافة والفنون في الغرب، إلى عدم الإيمان العميق بالمساواة لدى من ينادون بها.

المساهمون