حمّو بيكا ومجدي شطّة... من يمتلك حقّ النقد؟

حمّو بيكا ومجدي شطّة... من يمتلك حقّ النقد؟

27 ديسمبر 2018
جودة ما يقدم لا تمنح حق القمع (محمد الشامي/الأناضول)
+ الخط -
بعد سنين طويلة من الظهور، ما زالت موسيقى المهرجانات محافظة على بقائها في صورتها الأولية، بل ونقائها "العرقي" إن جاز التعبير، في من يصنعها ويسمعها. كنا قد أشرنا من قبل، إلى أن المهرجانات هي انعكاس لعشوائية الواقع الاجتماعي للشريحة الأغلب من المجتمع العربي، وتحديداً على صورة فطرية بحتة في مصر. لم يتغير هذا الواقع على مدى سنين طويلة، كما لم تتغير انعكاساته كثيراً.

لكن ما ظهر وانكشف زيفه، هو نغمة الاستعلاء الطبقية على موسيقى المهرجانات، المنكرة للواقع ذاته ولانعكاساته وإفرازاته، متجاهلة حقيقة أن إدراكه مهم كجزء من الواقع، وأن هذا الإنتاج الغزير الفطري يحمل ويحتمل وجود بعض المنتجات الجيدة فيه، وأن هناك سبباً حقيقياً وراء هذا القبول والانسياق الجماهيري وراءه، في ظل غياب آليات الدعاية التي توفر هذا له، وأيضاً متجاهلي وصوله لشريحة غائبة عن التلقي لمعظم الفنون.

لم تفت أحدنا الأزمةُ بين اثنين من مؤدّي المهرجانات في مصر؛ حمّو بيكا ومجدي شطّة، وردودهما، وتدخل هاني شاكر، نقيب الموسيقيين، عبر محضر غناء من دون ترخيص ضد الأول، ليرد بيكا: "كل الفئات بتسمعنا، والناس بتتبسط"، موجّهاً حديثه للنقابة: "إحنا اللي ميزناكم لما كنا شباب، اعملولنا حد يمسكنا كـ بتوع مهرجانات ويرخصلنا الورق. ليه بتعاملونا المعاملة دي؟".

حقيقة أن تجاهل موسيقى المهرجانات بمؤديها ووجودهم من أصله ووجود الطبقة التي تعبر عنها وتتبناها كموسيقاها البديلة الرسمية، أمر غريب. فيه جانب سياسي لا يمكن إنكاره، رغبة في تلميع صورة الواقع المزري. وصحيح أنه لا بد من الاشتباك مع ما يقدم من الجهات الرسمية المسؤولة عن الموسيقى في مصر، وهو دور عجيب بالمناسبة، ورقابي؛ فالطبيعي أن يقدم أي شخص ما يقدمه والرفض والقبول للجمهور. ولكن الدور التنظيمي للنقابة لا يمكن أن يقوم على أساس طبقي يعمد إلى احتقار هذا المجال من الموسيقى وتجاهله بالكامل.


أما بالنسبة إلى موضوع جودة ما يقدمه كل من بيكا وشطّة، فهذا أمر آخر. بيكا صاحب الجملة الغنائية الواحدة التي لا تتغير ولا تتطلب أي نوع من الموهبة، يتحدث بتضخم شديد للذات، بينما يمتلك شطة خامة صوت بالفعل، وإن كانت أذنه غير قادرة على التمييز، ويمكن أن يستمر لأغنية بطولها خارج السلم الموسيقي الذي تعزف منه الآلات، بموروث لغوي من المواويل يخلطه ليرتجل، مُستخدماً البحة المفتعلة. إنه الأسلوب المحاكي لحكيم والذي اقتبسه من عدوية. والناتج في حين أنه ضعيف -ولا علاقة لهذا بالارتجال، والدليل على ذلك جودة فناني الشارع المتجولين- إلا أنه مبهر بالنسبة لانقراض مؤدي هذا النوع بشكل حي في المناسبات كشخصية عامة أو فرقة.

المهرجانات حافظت منذ البداية، وحتى اللحظة، على تكوينها الصوتي، من حيث الجملة الواحدة في الدوران والتنويع البسيط عليها كل أربع لفات، والإيقاع الإلكتروني المستمر، الراقص السريع. ربما كان التطور الملموس فيها هو جرأة الموضوعات التي تتناولها ودخول ألفاظ يعتبرها البعض خارجة، هي ذاتها الألفاظ التي نستعملها ونسمعها في شارعنا المصري يومياً، وقد ننفر منها، أو نقبلها باعتبارها جزءاً من الواقع.


الموسيقى البديلة المستقلة لم تتجاهل المهرجانات، وكسرت باب التعالي عليها، وكان موريس لوقا، ومن قبله محمود رفعت، صاحب مشروع "مئة نسخة"، من أوائل المدركين لأهمية وجود نوع جديد من الفن يقارب الراب في التكوين والشعبية، ولكن يختلف في أصالته المصرية. وفي ذكاء ورؤية واقعية، اشتبكا معه؛ لوقا إنتاجاً ومزجاً بعناصر الموسيقى الإلكترونية الأخرى، وتقرّباً لها، ورفعت إنتاجاً وتواصلاً مع مؤديها.
"إيقاع مكسور"، و"مزيكا وخوف"، في تجربة ألبوم "الإخفاء" (موريس لوقا، وتامر أبو غزالة، ومريم صالح) خير مثال على ذلك، لكن الكلام على جودته وبراعته لم يكن ببساطة المهرجانات، ولا اللحن كذلك. التوزيع، رغم تعقيده، لم يكن متعالياً، هو دمج لأنواع عديدة من الموسيقى ولمسة المهرجانات الشعبية المصرية موجودة في صوت جديد، وربما اقتربت التجربة جداً من بساطة المهرجانات كلاماً ولحناً في أغنية "تسكر تبكي".

دلالات

المساهمون