السينما العربية... تساؤلات ونقاش على فيسبوك

السينما العربية... تساؤلات ونقاش على فيسبوك

29 نوفمبر 2018
ينتج الانحدار السينمائي والفني عن الانحدار السياسي (Getty)
+ الخط -
طرح مالك خوري، مدير قسم السينما في الجامعة الأميركية في القاهرة، ورئيس مهرجان القاهرة للأفلام القصيرة، سؤالاً جريئاً، حول واقع السينما العربية؛ حين قال: "لماذا تعاني العديد من الأفلام اليوم من السطحية، والبرود الشعوري، والاجترار في الأسلوب والمواضيع؟". وقد أجاب على نفسه بأنه يرى أن السبب في ذلك هو تدني مستوى الفهم النظري والتاريخي للسينما، والانغماس في الذاتية والأنا، ومحاولة إرضاء أذواق المهيمنين على المال "الثقافي"، والتسليم بالفيلم كسلعة تجارية؛ الموروث الفكري المشوش والانتهازي للبورجوازية الصغيرة. 

تحكّم رؤوس الأموال
سؤال خوري وإجابته نكآ الجرح لدى كثيرين، وتحوّل السؤال المطروح عَرَضاً على فيسبوك إلى ما يشبه ندوةً مصغرة، شارك فيها عددٌ من المعنيين بصناعة السينما، حيث قال كمال يوسف: "السينما صناعة يتحكم فيها أصحاب رؤوس الأموال الممولين لهذه الصناعة، ومن الطبيعي طالما كان أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء ينتمون لطبقة الرأسمال الطفيلي السائد حالياً؛ أن يكون إنتاجهم من نفس نمطهم: طفيلي، والذي من صفاته التفاهة والإسفاف والنسخ والاجترار".
وتعليقاً على يوسف، ذكر خوري أن هذا هو واقع السينما منذ نشأتها؛ وبالرغم من ذلك الواقع، فإنه لم يمنع سينمائيين كثيرين وعمالقة من اختيار أطر بديلة لإنتاج أفلامهم وإيصالها إلى المشاهد. مضيفاً أن الفرق إذا يبقى في كيفية تعاطي السينمائي مع هذا الواقع.

مجتمع مأزوم
في حين يرى بهاء حسيني (مخرج مسرحي) أننا مجتمع مأزوم لدرجة مخيفة، وبالتالي فإننا نعيش قيم الأزمة التي تحكمنا وتسيطر على حياتنا في كل تفاصيلها: في الاقتصاد والتعليم والفن وغيرها. وبالرغم من اتفاق مالك خوري مع فكرة المجتمع المأزوم؛ فإنه يرى ضرورة التمرد الشجاع على هذا الواقع، ولو لقلة من السينمائيين، لافتاً إلى أن الأمر لم يعد عسيراً، فالفيلم الذي كان يكلف 50 ألف دولار منذ 25 سنة، لم يعد يكلف اليوم أكثر من 10 آلاف دولار!
لكن التمرد في نظر حسيني لابد أن يكون جماعياً حتى لا يأخذ صورة التمرد الفئوى، مستدعياً مقولة ميخائيل رومان (1924-1973) في مسرحية "الليلة نضحك": "من المستحيل أن يعيش الرجل شريفاً في وسط ملوث". وهو ما يوافق عليه خوري، لافتاً إلى أن الغيث يبدأ من نقطة مطر، ومضيفاً: "هنا يأتي دور التنظيم والأحزاب الثورية والتي أثبت التاريخ أن من دونهما لا يمكن لأي تغيير أن يكون له معنى".

انحدار سياسي
أما الكاتب الدكتور ياسر أكرم دودين فيذهب إلى أن أي انحدار أخلاقي أو اقتصادي أو فني في أي مجتمع سببه الأول هو الانحدار السياسي؛ وهو ما يوافقه عليه الدكتور مالك خوري لكنه أوضح أن جزءاً من النهوض السياسي هو نهوض البدائل الثقافية. فالنهوض السياسي هو تطور في الوعي الفكري، فالسينما في عصرنا مكون أيديولوجي ذو نفوذ هائل، لذا يجب أن يلعب دوراً في عملية الصراع.
"ماي يازيجي" أضافت إلى مشكلة الانحدار السياسي أن الفن هنا يعامل كسلعة تقدم لزبون سبق تسطيحه وإفراغه إلا من الرغبة في التسلية كقيمة عليا، مشيرة إلى السينما الأميركية لا تزال تُسمى صناعة الترفيه وليس فن السينما، والأفلام الجميلة تشكل نسبة ضئيلة للغاية قياسا لمجموع الإنتاج، إضافة لغياب الناقد الفني الجاد الذي صار ينوب عنه محرر صحافي بهدف الترويج أو التشويه!




الإنتاج 

فيما تطرق إيهاب أبو حامد إلى قضية الإنتاج السينمائي؛ فذكر أن شكل الإنتاج قد تغير؛ لأن قيمة الفيلم أو المنتج الثقافي أصبحت صفراً، ولا يجرؤ أحد على القيام بإنتاج عمل فني أو ثقافي؛ لأنه حتما لن يسترد ما استثمره في هذا العمل. وذكر أبو حامد أن الواقع الجديد للإنتاج قام بضرب الإنتاج الحكومي، وضرب القطاع الخاص للإنتاج، وذلك على مستوى العالم، وفي أوائل الألفية بدأت بعض الحكومات في فرنسا وإيطاليا تعلن صراحة أنها لن تنفق على الإنتاج الثقافي والفني، وأن أصحاب الأفكار الفنية عليهم التوّجه إلى شركات تعمل في مجالات أخرى. 

يقول "أبو حامد": "وصل الأمر ببيرلوسكوني (رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق) أن يقول لفريق مسرح (لا سكالا) -الذي يعتبر رمزا قوميا لإيطاليا وموسيقيا هو مسرح الأوبرا الأول والأهم في العالم- إنه بإمكانهم عمل أي شيء لإدارة المسرح مثل تأجيره لإقامة حفلات أو عرض ستربتيز أو أي شيء، أو البحث عن "راعٍ" بين شركات المورتديلا والاتصالات والفوط الصحية، لكنهم لن يحصلوا على قرش واحد من الدولة! 

أما على الصعيد العربي؛ فيشير إيهاب أبو حامد إلى سيطرة المال الخليجي على الصناعة، بحيث ينتج ما يخدم مصالح هذه الدول وأجنداتها، ويعقب: "لقد أصبحنا نترحم على أيام أفلام المقاولات ونادية الجندي. ومع بداية الألفية اختفت كلمة منتج من القاموس وحل محلها "الراعي - السبونسر"، وأن صناع الأفلام في كثير من دول العالم خرجوا من تحت سلطة رقابة الحكومة ليدخلوا تحت شروط "الراعي" وأجنداته التي صارت تتضمن طلبات أكثر تعجيزا من الطلبات الحكومية.

المساهمون