عبد السلام العجيلي: تصوير البادية السورية

عبد السلام العجيلي: تصوير البادية السورية

07 أكتوبر 2018
الواقع هو المنبع الرئيسي لأعمال العجيلي (العربي الجديد)
+ الخط -
وُلِدَ الدكتور عبد السلام العجيلي، في الرّقة التي تقع في البادية السوريّة، عام 1918. ينحدر نسبه من عشيرة عربية، جاءت من الموصل وسكنت البادية على ضفتي نهر الفرات. وعندما رأى والده أنّ الصغير موهوب، وبه لمعة ذكاء، دفعه إلى حلب ليدرس في ثانوية المأمون، ويأخذ منها الشهادة الثانوية، ثم إلى دمشق لينال من جامعتها شهادة في الطب، ليعود إلى الرّقة ويؤسس عيادة للطبّ العام، بجانب السوق الكبير. وكان في دمشق قد عمل بعض المشاغبات الثقافية، فكان يكتب في مجلة "الكلب" التي كانت تصدر من قبل مجموعة من المثقفين في تلك الفترة، وكانت تُكتب بخط اليد. في تلك الأيام، حصلت النكبة الفلسطينية، وتكوّن "جيش الإنقاذ"، فالتحق به العجيلي فوراً كمقاتل ضد الصهاينة. لقد تفتّح وعيه، في وقت مبكر، على أحداث كبيرة تهزّ النفس العربية وتعصف بها. وعندما انتهى هذا الجيش من عمله، عاد إلى الرّقة ليعمل فيها.

قدّم العجيلي عشر مجموعات قصصية، وخمسة أعمال روائية ومجموعة شعرية، وأكثر من عشرة مؤلفات تنتمي إلى المقالة والمذكرات وأدب الرحلات، وعلى هذا فإن مهنة الطب لم تسلبه محبته لمهنة الأدب، لا بل إنّه استطاع أن يكون له صوته الخاص في مجال الأدب والقصة، وأن يكون راوياً ممتازاً لفنون الحياة البديعة. لقد آثر أن يكون في الرّقة طبيباً، وأن يرحل في مدن العالم ثم يعود دائماً إلى من هم بحاجة إليه. لم تستحوذ عليه أضواء العواصم. اختلط عبد السلام بالواقع ليقدم له ما سمعه أو رآه من حكايات المدينة، ومن حكايات أهل البادية، فكانت هذه القصص تبلغ قمة النزعة الإنسانية في حصادها اليومي. وكانت مهنته مفتاحاً لكثير من القصص التي تحكي تجارب الناس في المدينة والبادية والريف. أضف إلى ذلك أننا نرى في أعماله الجانب العمراني في القصور والمتاحف والمقاهي، والمواقع الطبيعية، من أوروبا إلى أميركا الجنوبية، وخلال ذلك يدهشنا بالتقارب بين الشرق والغرب. ولعل أبلغ تلك العلاقة نجدها في قصة "رصيف العذراء السوداء" التي تعدّ نقلة نوعية في أسلوب السرد، وفي تشكيل الشخصية في آن معاً. والجديد في هذه القصة يتمثل في خروج الكاتب إلى عوالم أخرى يجعل شخصياته تتحرك فيها، ليكشف عن التصادم بين الجسد والروح.

لقد كان الواقع هو المنبع الرئيسي لأعمال العجيلي، ولم يكن توثيقياً، بل تحليلياً لهذا الواقع. فقد رصد أوضاعه ومآسيه وأفراحه، وكان ينطلق دوماً من قاعدة إيمانه بدور الأدب في صياغة رؤية دقيقة لما يجري، وقد أيقظه الجوع إلى المعرفة، فجعله يلتهم آلاف الصفحات من كتب التراث، ومن دواوين الشعراء، ومن الحكايات والأمثال والسير الشعبية. فتكونت لديه ثروة مبكرة من مخزون الأدب. إنه حكواتي هذا الزمان، يضيف إلى مخزون القصّ العربي الحديث المكتوب أهمية بالغة. إنك لا تميّز الواقع الملموس من الواقع المتخيل، فكلاهما واحد، لتجد نفسك أمام واحد من أهم الذين يبنون هيكل الحكاية المعاصرة. لقد خرج العجيلي من عمق البادية السورية، فكان الطبيب الذي يداوي قومه، وتفتقّت روحه عن حكواتي يشهد على عصره، وتفجّر اهتمامه بالناس البسطاء، فكان عيناً عليهم وعيناً على الوطن. وكانت الرّقة بلده التي حملت في عمقها التاريخ الذي يطل على الحياة، فكانت المدينة التي شهدت ولادة وموت الشاعر والحكواتي القاص والروائي، فخلدت باسمه وخلد بها.

المساهمون